الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ١٠٣٢
ونحن نجد الصغير الذي لم يحب بعد، وإنما هو حين هم أن يجلس، إذا رأى رمانة قلق وشره إلى استخراج ما فيها وأكلها. وكذلك الجوز وسائر ما يأكله الناس، فليت شعري متى تعلم هذا الصبي القياس، بأن ما في هذه الرمانة كالتي أطعمناه عام أول، أو قبل هذا بشهر.
ولقد كان ينبغي لهم أن يعرفوا على هذا أحكام القياس بطبائعهم، دون أن يأخذوها تقليدا عن أسلافهم.
ولو أنهم تدبروا العالم وتفكروا في طبائعه وأجناسه وأنواعه وفصوله وخواصه وأعراضه، لما نطقوا بهذا الهذيان، فإن كانوا يريدون أن يسموا جري الطبائع على ما هي عليه: قياسا، فهذه لغة جديدة، ولم يقصدوا بها وجه الله تعالى، لكن قصدوا الشغب والتخليط، كمن سمى الخنزير أيلا ليستحله، والأيل خنزيرا ليحرمه. وكل هذه حيل ضعيفة لا يتخلصون بها مما نشبوا فيه من الباطل، وإنما تكلمهم عن المعنى، لا على ما بدلوه برأيهم من الأسماء فإذ حققوا معنا المعنى الذي يرمون إثباته ونحن نبطله، فحينئذ يكلف البرهان من ادعى أمرا منا ومنهم، فمن أتى به ظفر، ومن لم يأت به سقط، وليسموه حينئذ بما شاؤوا.
ويكفي من سخف هذا الاحتجاج منهم أن يقال لكل ذي حس: هل نسبة التين من البر كنسبة الجوزة من الجوزة؟ وكنسبة الرمانة من الرمانة؟ وكنسبة الانسان من الانسان؟ فإن وجد في العالم أحمق يقول: نعم، لزمه إخراج البلوط والتين عن زكاة البر كيلا بكيل، وهذا ما لا يقوله مسلم، ولزمه أن يقول فيمن حلف لا يأكل برا فأكل تينا: أن يحنث، ولزمه أكثر من هذا كله، وهو الكذب، إن التين بر، وإن قالوا: لا، تركوا قولهم في تشبيه القياس في الشرائع لمعرفتنا بأن ما في هذه الرمانة كهذه.
والذي لا نشك فيه فهذا الاحتجاج منهم مبطل لقولهم، ومثبت لقولنا، لان الرمانة من الرمانة، والجوزة من الجوزة، والانسان من الانسان،
(١٠٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1027 1028 1029 1030 1031 1032 1033 1034 1035 1036 1037 ... » »»
الفهرست