الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ١٠٣٥
يشبهه؟ قال: نعم، قال: فإنك أمرتني بسوق الطبيب لالتياثك، وليس يشبه العلة وإحضار الطبيب إلا الموت، والموت يوجب حضور الغاسل والنعش والحفار لحفر القبر، فأحضرت كل ذلك، وفعلت ما أمرتني وما يشبهه.
فنحن نقول: إن هذا الغلام أعذر في الائتمار لأمر مولاه في الإبريق الفارغ، إذ لعله يريد أن يعرضه على جليسه أو يبيعه أو يقبله لمذهب له فيه: منه في جلب الحفار والغاسل والنعش، قياسا على العلة والطبيب، ولقد كان الغلام قوي الفهم في القياس، إذ لا قياس بأيديكم إلا مثل هذا. وهو أن تشبهوا حالا بحال في الأغلب، فتحكمون لهما بحكم واحد، وهو باب يؤدي إلى الكهانة الكاذبة، والتخرص في علم الغيب، والتحذلق في الاستدراء على الله تعالى، وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم فيما لم يأذن به عز وجل، وبالله تعالى نعوذ من ذلك.
واحتجوا فقالوا: أنتم تقولون: إذا حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في عين ما، فهو حكم واحد في جميع نوع تلك العين التي يقع عليها اسم نوعها. وهذا قياس.
قال أبو محمد: هذا تمويه زائف، وقد بينا وجه هذه المسألة وهو أنه عليه السلام بعث إلى كل من يخلق إلى يوم القيامة، من الإنس والجن، وليحكم كل نوع من أنواع العالم بحكم ما أمره به ربه تعالى، ولا سبيل إلى أن يخاطب عليه السلام من لم يخلق بعد بأكثر من أن يأمر بالامر، فيلزم النوع كله، إلا أن يخص عليه السلام كما خص أبا بردة بن نيار بقوله: يجزيك ولا تجزئ جذعة عن أحد بعدك.
قالوا: فهلا قلتم في أمره صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت حبيش بما أمرها به إذا استحيضت - إنه لازم لكل امرأة تسمى فاطمة.
فيقال لهم وبالله تعالى التوفيق: لم ينص عليه السلام على أن ذلك حكم كل امرأة تسمى فاطمة، وإنما نص صلى الله عليه وسلم على أن دم الحيض أسود يعرف، فإذا أقبل فافعلي كذا. وإذا أدبر فافعلي كذا، فنص صلى الله عليه وسلم على صفة الحيض والطهر والاستحاضة، وعلى حكم كل ذلك متى ظهر، فوجب التزام ذلك متى وجد الحيض أو الطهر أو الاستحاضة.
(١٠٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1030 1031 1032 1033 1034 1035 1036 1037 1038 1039 1040 ... » »»
الفهرست