الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ١٠٣٣
كالسمن من السمن والفأر من الفأر وكل نوع من نوعه والجوز مخالف للرمان كخلاف السنور من الفأر، وخلاف الزيت للسمن. وهذا هو الذي ينكره ذو عقل، وأنه إذا حكم النبي صلى الله عليه وسلم بتحريم البر بالبر متفاضلا لزم ذلك في كل بر، ولم يجب فيما ليس ببر إلا بنص آخر، وإذا أمر بهرق السمن المائع الذي مات فيه الفأر، وجب ذلك في كل سمن مات فيه فأر، ولم يجب ذلك في غير السمن الذي مات فيه الفأر، وهذا هو الذي لا تعرف العقول غيره وبالله تعالى التوفيق.
وأما تحريم البلوط قياسا على البر وهرقهم الزيت قياسا على السمن، فهو كمن قال: الذي داخل اللوز كالذي داخل الرمان ولا فرق، فبطل قولهم بالبرهان الضروري. وصح أن القياس إنما هو قياس نوع على نوع آخر وهذا باطل بنفس احتجاجهم وبالله تعالى التوفيق.
ويقال لهم: أمعرفتكم بأنكم تموتون، وهو شئ يستوي في الاقرار به كل ذي حس، هو مثل معرفتكم بالشرائع كالصلاة والزكاة والصيام وغير ذلك مما يحرم في البيوع والنكاح وما يحل؟ فإن قالوا: لا، كفونا أنفسهم، وأبطلوا ما استدلوا به ههنا، وإن قالوا: نعم كابروا ولزمهم أن يكونوا مستغنين عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأنهم كانوا يدرون الشريعة بطبائعهم قبل أن يعلموها، وهذا ما لا يقوله ذو عقل.
ويقال لهم هل كان على قشر الرمان قط على لوز: فإن قالوا: نعم، لحقوا بسكان المارستان، وإن قالوا: لا، سألناهم، أكانت الخمر قط حلالا، وكان بيع البر بالبر متفاضلا غير محرم في صدر الاسلام أو لم يزل ذلك والخمر حلالا مذ خلق الله الخمر وللبر بينة الطبع؟ فإن قالوا كانت الخمر وبيع البر متفاضلا غير حرام برهة من الاسلام، ثم حرم ذلك أقروا بأن ذلك ليس من باب ما في قشر اللوز والرمان في ورد ولا صدر، لان الطبائع قد استقرت مذ خلق الله تعالى العالم على رتبة واحدة، هذا معلوم بأول العقل والحس اللذين يدرك بهما علم الحقائق، وأما الشرائع فغير مستقرة ولم يزل تعالى مذ خلق الخلق ينسخ شريعة بعد شريعة، فيحرم في هذه ما أحل في تلك ويسقط في هذه ما أوجب في تلك ويوجب في هذه ويحل فيها ما أسقط في تلك، وما حرم إلى أن نص الله
(١٠٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1028 1029 1030 1031 1032 1033 1034 1035 1036 1037 1038 ... » »»
الفهرست