الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ١٠٢٩
وكذلك أخبر صلى الله عليه وسلم: أن الحلال بين، وأن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فلم يقل صلى الله عليه وسلم: إنها مشتبهات على جميع الناس، وإنما هي مشتبهة على من لا يعلمها، وإذ هذا كذلك فحكم من لا يعلم أن يسأل من يعلم. كما قال تعالى: * (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) * ولم يقل فارجعوا إلى القياس، فوضع دعوى هؤلاء القوم وصح أن الدين كله بين واضح، وسواء كله في أنه جلي مفهوم إلا أن من الناس من يخفى عليه الشئ منه بعد الشئ لاعراضه عنه، وتركه النظر فيه فقط. وقد يخفى على العالم الفهم أيضا، إذا نظر في مقدماته وقضاياه بفهم كليل إما لشغل بال، وإما لطلبه في اللفظ ما لا يقتضيه فقط حتى يعلمه إياه العلماء الذين هو عندهم بين جلي، ولو لم يكن الامر هكذا لما عرف الجاهل صحة قول مدعي الفهم أبدا. فصح أنه لما أمكن العالم إقامة البرهان حتى يفهم الجاهل من القضايا كالذي فهم العالم فإن العلم كله جلي، ممكن فهمه لكل أحد، ولولا ذلك ما فهم الجاهل شيئا، ولا لزم من لا يفهم، العمل بما لا يفهم. وأيضا فيلزم فيما كان منه خفيا ما ألزموه لو كان كله خفيا، وفي الجلي منه ما يلزم لو كان كله جليا ولا فرق، وليس للقياس ههنا طريق البتة، وبالله تعالى التوفيق.
واحتجوا فقالوا: لما رأينا البيضتين إذا تصادمتا تكسرتا، علمنا أن ذلك حكم كل بيضة لم تنكسر، قالوا وهذا قياس.
قال أبو محمد: وهذا خطأ، ولم نعلم ذلك قياسا، ولكن علمنا بأول العقل وضرورة الحس أن كل رخص الملمس فإنه إذا صدمه ما هو أشد اكتنازا منه أثر فيه، إما بتفريق أجزائه، وإما بتبديل شكله، ولم نقل قط، إن البيضة لما أشبهت البيضة وجب أن تنكسر إذا لاقت جرما صليبا، بل هذا خطأ فاحش.
وفي هذا القول إبطال القياس حقا، فبيضة الحنش وبيضة الوزعة وبيضة صغار العصافير لا تشبه بيضة النعام البتة في أغلب صفاتها، إلا أنهما جميعا واقعان تحت
(١٠٢٩)
مفاتيح البحث: الجهل (3)، البول (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1024 1025 1026 1027 1028 1029 1030 1031 1032 1033 1034 ... » »»
الفهرست