الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ١٠٣٤
تعالى أنه لا تبدل هذه الملة أبدا. فصح أن من شبه الطبائع التي تعلم بالحس والعقل بالشرائع التي لا تعلم إلا بالنص، لا مدخل للعقل ولا للحس في تحريم شئ منها، ولا في إيجاب فرض منها إلا بعد ورود النص بذلك، فهو غافل جاهل، ولو احتج بهذا يهودي لا يرى النسخ، لكان هذا الاحتجاج أشبه بقوله، منه بقول أصحاب القياس.
وأما الموت فهو حكم كل جسم مركب من العناصر إلى نفس حية فقد رتب الله تعالى في العالم هذا اصطحابهما مدة، ثم افتراقهما، ورجوع كل عنصر إلى عنصره، وليس هذا قياسا يوجب موت أهل الجنة والنار فبطل تمويههم، وبالله تعالى التوفيق.
وقالوا: القياس فائدة زائدة على النص.
قال أبو محمد: لا فائدة في الزيادة على ما أمر الله تعالى به، ولا في النقص، منه، بل كل ذلك بلية ومهلكة، وتعد لحدود الله تعالى، وظلم وافتراء، وبالله تعالى نعوذ من ذلك، ولا أعظم جرما ممن يقر على نفسه أنه يزيد على النص الذي أذن الله به، ولم يأذن في تعديه. وبالله تعالى نعوذ من الخذلان.
واحتج بعضهم فقال لمن سلف من أصحابنا فقهكم في اتباع الظاهر يشبه فعل الغلام الذي قال له سيده: هات الطست والإبريق، فأتاه بهما؟ ولا ماء في الإبريق، فقال له: وأين الماء؟ لم تأمرني، وإنما أمرتني بطست وإبريق فهاهما، وأنا لا أفعل إلا ما أمرتني.
قال أبو محمد: فقال لهم، وبالله تعالى التوفيق: بل فقهكم أنتم يشبه فعل المذكور على الحقيقة إذ قال له سيده، إذا أمرتك بأمر فافعله وما يشبهه، فعلمه سيده القياس حقا على وجهه، وحفظ الغلام ذلك، وقبله قبولا حسنا، فوجد سيده حرارة فقال: سق إلي الطبيب، فإني أجد التياثا، فلم ينشب أن أتاه، بعض إخوانه فزعا، فقال له: يا فلان، من مات لك؟ فقال: ما مات لي أحد، فقال له: فإن الغاسل والمغتسل والنعش وحفار القبور عند الباب، فدعا غلامه فقال له: ما هذا بالباب؟ فقال له ألم تأمرني إذا أمرتني بأمر أن أفعله وما
(١٠٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1029 1030 1031 1032 1033 1034 1035 1036 1037 1038 1039 ... » »»
الفهرست