الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ١٠٣٦
ثم ينعكس هذا السؤال عليهم بعد أن أريناه أنه حجة لنا فنقول لهم، وبالله تعالى التوفيق: أنتم، أهل القياس وتفتيش العلل في الديانة، وتعدي القضايا عما نص الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم إلى ما لم ينصا عليه، وأنتم أهل الكهانة والاستدراك في الديانة ما لم يذكر الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم فاستعملوا مذهبكم في هذا الحديث. فقد قال عليه السلام في دم الاستحاضة عندكم إنما هو عرق وبين أن دم الحيض أسود يعرف، فكما قستم الحمرة والصفرة والكدرة على الدم الأسود فجعلتموه كله حيضا، فكذلك قيسوا كل عرق يسيل من بدن المرأة من رعاف أو جرح على عرق الاستحاضة، وأحكموا لها حينئذ بحكم الاستحاضة وإلا كنتم متناقضين وتاركين للقياس. ولا شك عند كل ذي حس - إن كان القياس حقا - إن قياس عرق يدمي عن عرق يدمي أشبه وأولى من قياس الدلاع أو الشاه بلوط على البر والتمر، على أن بعضهم قد فعل ذلك وهم الحنفيون، وأوجبوا أن الوضوء ينتقض بكل عرق دمي، قياسا على عرق المستحاضة عندهم، فيلزمهم أن يوجبوا من ذلك الغسل، كما جاء النص على المستحاضة، وهذا ما لا انفكاك لهم منه، وبالله تعالى التوفيق.
وقالوا: لم نعلم أن أجسام أهل الصين كأجسامنا إلا قياسا منا بالشاهد على الغائب.
قال أبو محمد: وهذا من الجنون المكرر. وقد بينا آنفا أن علمنا بهذا علم ضروري أولي، يعرف ببديهة العقل، ولم يكن المميز قط من الناس إلا وهو عالم بطبعه أن كل من مضى أو يأتي أو غاب عنه من الناس فعلى هيئتنا بلا شك ولا يتشكل في عقل أحد سوى هذا. وبالضرورة يعلم كل ذي عقل أن علمنا أن المطلقة ثلاثا لا تحل لمطلقها إلا بعد زواج يطؤها، ليس من علمنا بأن أهل الصين من الناس هم على هيئاتنا، بل كان جائزا أن تحل له بعد ألف طلقة دون زوج ولولا النص.
(١٠٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1031 1032 1033 1034 1035 1036 1037 1038 1039 1040 1041 ... » »»
الفهرست