الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٨١
والتمثيل والتنظير، وهو المعنى الذي فروا منه بعينه، لأنه لا بد لهم من التعريف بالشبه بين الامرين الموجب تسوية حكم ما لم ينص عليه مع ما نص عليه منهما، فكانوا كالمستجيرين من الرمضاء بالنار، وكمحلل الخمر باسم النبيذ وأكثر ما هي هذه الطائفة فمن أصحاب مالك وأحمد، ومن لم يقلد أحدا من علماء أصحاب الحديث، ومنهم نبذ من أصحاب مالك، ويسير من أصحاب أبي حنيفة، فكيف يستحل من له علم وورع وفرار عن الكذب أن يدعي الاجماع فيما هذه صفته وفي أمر قد روي عن أصحابه أزيد من عشرين ألف قضية، ليس فيها ما يدل على القياس، إلا قضية واحدة لا تصح، ونحو عشر قضايا يظن أنها قياس، وليست عند التحقيق قياسا، وهم مجمعون معنا على أنه لم يحفظ قط عن أحد من الصحابة قياس في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
فإذ ذلك كذلك فنحن نبرأ إلى الله تعالى من كل دين حدث بعده صلى الله عليه وسلم ولو كان القياس حقا لما أغفل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيانه العمل به، ثم من الباطل المتيقن أن يكون القياس مباحا في الدين ثم لا يعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي شئ نقيس؟ ولا على ما نقيس؟ ولا أين نقيس؟ ولا كيف نقيس؟ فصح أن القياس باطل لا شك فيه.
وأما القول والرأي والاستحسان والاختيار فكثير عنهم رضي الله عنهم جدا، ولكنه لا سبيل إلى أن يوجد لاحد منهم أن جعل رأيه دينا أوجبه حكما، وإنما قالوا إخبارا منهم بأن هذا الذي يسبق إلى قلوبهم، وهكذا يظنون على سبيل الصلح بين المختصمين، ونحو هذا، مع أن أصحاب القياس قد كفونا، ولله الحمد، التعلق بهذا الباب لأنهم، نعني حذاقهم ومتكلميهم، مبطلون للرأي والاستحسان إلا أن يكون قياسا على علة جامعة. وقد أصفق على هذا أكابر المتأخرين من الحنفيين المالكيين وسلكوا في ذلك مسلك الشافعيين، وتركوا طرائق أسلافهم في الاعتماد على الرأي والاستحسان، وقياس التمثيل المطلوب والتشبيه، ولو لم يفعلوا لكان أمرهم أهون مما يظن، لأنه لم يبق إلا بالرأي وحده مجردا، والاستحسان المطلق، فليس رأي زيد أولى من رأي عمرو، ولا استحسان زيد أولى من استحسان عمرو. فحصل الدين - وأعوذ بالله لو كان ذلك - هملا غير حقيقة
(٩٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 976 977 978 979 980 981 982 983 984 985 986 ... » »»
الفهرست