الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٨٠
وأيضا فالصحابة عشرات ألوف، روى الحديث منهم ألف وثلاثمائة ونيف مذكورون بأسمائهم، وروى الفقه والفتيا منهم عن نحو مائة ونيف وأربعين، مسمين بأسمائهم، حاشا الجمل المنقول عن أكثرهم أو جميعهم، كإقامة الصلاة وأداء الزكاة، والسجود فيما سجد بهم إمامهم فيه من سجود القرآن، والاشتراك في الهدى، والصلاة الفريضة خلف التطوع، ومثل هذا كثير، وإنما أوردنا بنقل الفتيا من ذكر عنه باسمه أنه أجاز أمر كذا أو نهى عن أمر كذا، أو أوجب كذا، أو عمل كذا، فما منهم أحد روي عنه إباحة القياس، ولا أمر به البتة بوجه من الوجوه، حاشا الحديث الواحد الذي ذكرنا آنفا، وسنذكره إن شاء الله تعالى بإسناده، ونبين وهيه وسقوطه.
وروي أيضا نحو عشر قضايا، فيها العمل بما يظن أنه قياس، فإذا حقق لم يصح أنه قياس، منها صحيح السند، ومنها ساقط السند، ويروى عنهم أكثر من ذلك وأصح في إبطال القياس نصا.
وأما القول بالعمل التي يقول بها حذاق القياسيين عند أنفسهم، ولا يرون القياس جائزا إلا عليها، فباليقين ضرورة تعلم، أنه لم يقل قط بها أحد من الصحابة بوجه من الوجوه، ولا أحد من التابعين، ولا أحد تابعي التابعين، وإنما هو أمر حدث في أصحاب الشافعي، واتبعهم عليه أصحاب أبي حنيفة، ثم تلاهم فيه أصحاب مالك. وهذا أمر متيقن عندهم وعندنا، وما جاء قط في شئ من الروايات عن أحد من كل من ذكرنا أصلا، لا في رواية ضعيفة ولا سقيمة، أن أحدا من تلك الاعصار علل حكما بعلة مستخرجة يجعلها علامة للحكم، ثم يقيس عليها ما وجد تلك العلة فيه، مما لم يأت في حكمه نص، وإذا لا يجوز القياس عند جمهور أصحاب القياس إلا على علة جامعة بين الامرين هي سبب الحكم وعلامته، وإلا فالقياس باطل، ثم أيقنوا هم ونحن على أن ليس أحد من الصحابة ولا من تابعيهم، ولا من تابعي تابعيهم نطق بهذا اللفظ، ولا نبه على هذا المعنى، ولا دل عليه ولا علمه، ولا عرفه، ولو عرفوه ما كتموه فقد صح إجماعهم على إبطال القياس بلا شك.
وقد اضطر هذا الامر وهذا البرهان طائفة من أصحاب القياس إلى الفرار من ذكر العلل وتعليل الاحكام جملة، وعن لفظ القياس، ولجؤوا إلى التشبيه
(٩٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 975 976 977 978 979 980 981 982 983 984 985 ... » »»
الفهرست