مشارق الشموس (ط.ق) - المحقق الخوانساري - ج ٢ - الصفحة ٣٧٢
الأول إنه كيف يصح اطلاق المكروه على هذا الصيام لان العبادة إن كانت صحيحة يحصل بها التقرب ويستحق عليها الاجر البتة فلا بد من أن يتصف وجودها بالرجحان ولا يتصور رجحان عدمها حتى يتصف بالكراهة وإن كانت غير صحيحة شرعا فلا يجوز أن ينوي بها التقرب لو نوى بها يتصف بالخطر والتشريع لا محالة والعمل بغير نية ليس بعمل يتصف بحكم من الأحكام الشرعية والثاني إنه كيف يمكن العمل بهذين الخبرين الضعيفين في تجويز صيام النافلة في السفر مع تعارضهما للأخبار الصحيحة وإشارة إلى دفع الاشكال الأول بقوله إن المراد كونه أنقص ثوابا من الصوم في الحضر كنظائره من مكروه العبادة وحينئذ فلا ينافي أصل الاستحباب وقد ذكر هذا التحقيق في تمهيد القواعد وقبله المحقق الشيخ على (ره) أيضا وإلى دفع الاشكال الثاني بقوله الأخبار الصحيحة دالة على المنع من الصوم سفرا من غير تقييد بالواجب لكن ورد أخبار مرسلة بجواز المنذور بالمسافر وعمل بها أكثر الأصحاب حاملين للاخبار الأول على الكراهة للمندوب وجمعا بينهما وبين ما دل على الجواز وقد عرفت ما فيها إلا إن دلايل السنن يتسامح فيها ويمكن الاحتجاج للجواز بحديث من بلغة شئ من أعمال الخير وحينئذ فالقول بالكراهة لا بأس به وقد أوردوا على ما أفاده لدفع الاشكال الأول إيرادين الأول إن نقص الثواب وقلته يوجد في كثير من العبادات بالنسبة إلى الأخرى كالصلاة في البيت بالنسبة إلى المسجد الأعظم ولا يطلقون الكراهة عليهما أصلا والثاني إنه لو كان بمعنى نقص الثواب بدون رجحان للعدم فلا وجه لترك النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) تلك العبادات ونهيهم الناس عنها كما نقل عنهم (عليهم السلام) لان قلة الثواب لا يقتضي الترك ونهى الناس عنها خصوصا فيما لا بدل له إذ فيه تفويت ثواب بلا عوض أقول والحق إن العبادة الصحيحة الشرعية لا بد لها من جهة حسن لأجلها يستحق فاعلها الأجر والثواب ولا يعقل صحة العبادة وشرعيتها مع خلوها عن مطلق الاجر ومن البين إنه لا يمكن استحقاق الأجر والثواب على تركها أيضا من تلك الجهة نعم ربما يقارن العبادة صفة وخصوصية يكون عدمها راجحا على وجودها رجحانا يوجب ترتب الثواب على تركها من دون ترتب عقاب على الاتيان بها إذ مع ترتب العقاب لا يوصف العبارة المشخصة المخصوصة بتلك الخصوصية بالصحة والشرعية إلا على فرض الاحباط إن جوزناه وعلى هذا فيوصف تلك الخصوصية بالكراهة الاصلاحية ويمكن وصف هذه العبارة أيضا بالكراهة بهذه الاعتبار خصوصا إذا كان الثواب المترتب على ترك تلك الخصوصية أزيد من الثواب المترتب على نفس تلك العبادة ولا يستبعد العقل عن ذلك مثلا الصوم المندوب في السفر باعتبار اشتماله على محاسن الصيام وترك مشتهيات النفس وملاذها لوجه الله تعالى موجب للاجر والثواب ولكن السفر باعتبار الحركات الشاقة المتعبة التي يتفق فيه غالبا مع قلة النوم وتغير أكثر العادات يوجب كمال الضعف البدن والقوى وهنها وكلالها والصوم أيضا موجب لذلك الضعف والكلال ولا ريب في أن انتظام أمور السفر من القيام بالحركات اللازمة وحمل الأشياء الثقيلة والمحافظة على العبادات الواجبة المهمة ودفع المحاربين والقطاع والتحرز عن أذى الوحوش والسباع يستدعى مزيد قوة للبدن وانبساط للنفس فيحتمل أن يكون الصوم في السفر موجبا لفوات كثير من تلك المنافع الدينية والدنيوية وعلى هذا فمن صام فيه باعتبار الحسن المعلوم للصوم وعدم القطع والظن بترتب المفاسد المحتملة يتسحق عليه الأجر والثواب ومن ترك فيه الصوم للاحتياط في حفظ النفس والعرض والمال عن تطرق خلل في الحال أو المال فربما استحق أجرا أوفر وثوابا أزيد إنه من البين أن حسن مراعاة الاحتياط في أمثال تلك الأمور العظيمة أزيد بكثير في نظر العقل والشرع من حسن القيام بالصيام ولو صار فوت منفعة مهمة تلك المنافع بسبب الصوم متيقنا أو مظنونا بالظن الغلب لصار الصوم محظورا محرما ولكن مجرد الاحتمال لا يوجب ذلك كما إن مجرد احتمال المفسدة لا يوجب سقوط الواجب الشرعي وبالجملة فمثل هذا الصوم ثواب تركه على وجه مخصوص بنية مخصوصة أزيد من ثواب فعله على وجه خاص بقصد خاص فيمكن وصفه بالكراهة ويظهر الباعث على تركهم (عليهم السلام) له ونهيهم الناس عنه ويبعد حمل كلام المسالك على ما ذكرنا لأنه قال المراد كونه أنقص ثوابا من الصوم في الحضر ولو كان مراده ما ذكرناه لقال المراد كونه أنقص ثوابا من ترك الصوم على وجه وللمتكلف أن يجمل كلامه على إرادة إنه أنقص ثوابا من الصوم في الحضر باعتبار اشتماله على خصوصية ناقصة هي احتمال ترتب المفسدة لا باعتبار اشتمال الصوم في الحضر على مزية زايدة كالمزية التي للصلاة في المسجد بالنسبة إلى الصولة في البين فينبثق على ما ذكرناه ويندفع عنه لا يرادان ولكنه بعيد عن العبارة غاية البعد و يمكن أن يقال إن العبادات تختلف في الأحكام الشرعية بحسب المصالح المختلفة لها مثلا المصلحة التي في صوم شهر رمضان يقتضي أن يكون هذا الصوم واجبا حتما لا يرخص أحد في تركه إلا على أحد الوجوه المقررة بحسب الشريعة وأما صوم أول يوم من رجب فلا يصح أن يكون بعنوان الوجوب واللزوم بحسب أصل الأصل الشرع بل بعنوان تأكد الاستحباب وكمال الرغبة ولو صامه أحد بقصد الوجوب الشرعي لكان تشريعا حراما وصوم ساير الأيام التي لم يرد في صومها تأكيد من الشارع ينبغي أن يكون الاستحباب من دون تأكد واهتمام فربما كان اقتضاء المصلحة في بعض أفراد الصوم كالصوم في السفر أن يكون بعنوان الندرة والشذوذ لبعض آحاد الناس باعتبار إن رغبته أكثرهم فيه واهتمامهم به وخصوصا في أكثر الأيام يوجب تطرق المفاسد في كثر من الاسفار فذلك
(٣٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 367 368 369 370 371 372 373 374 375 376 377 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الصوم المفطرات الأكل والشرب 339
2 الجماع قبلا أو دبرا لادمي 341
3 البقاء على الجنابة عمدا مع بها 343
4 الحقنة بالمائع 343
5 الارتماس 344
6 الامساك من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس 346
7 فيما يشترط في صحة الصوم 347
8 في النية للواجبة والمندوبة 348
9 في وجوب استمرار النية 355
10 فروع 358
11 موارد العدول من فرض إلى فرض 358
12 فيما لو عدل من فرض غير معين إلى النفل 358
13 في عدم وجوب الصوم على الصبي 362
14 حكم ما لو بلغ في أثناء النهار 364
15 عدم صحة صوم المغمى عليه 365
16 عدم صحة الصوم في السفر 369
17 في صحة صوم المعين إذا وافق السفر 371
18 في حكم قدوم المسافر قبل الزوال ولم يتناول شيئا 378
19 عدم جواز صوم المريض المتضرر به 382
20 في عدم وجوب الحائض والنفساء 383
21 في صحة المستحاضة 384
22 صحة صوم الجنب إذا لم يتمكن من الغسل 385
23 فساد صوم من بقي على الجنابة حتى طلوع الفجر 386
24 وجوب قضاء الصوم على كل تارك للصوم 389
25 عدم صحة صوم العيدين ولا أيام التشريق 392
26 عدم صحة صوم يوم الشك بنية رمضان 394
27 عدم صحة صوم الليل 395
28 وجوب القضاء والكفارة مع تناول شئ من المفطرات عمدا 397
29 في حكم الاستمناء والملاعبة 400
30 في اكراه الزوجة الصائمة على الجماع 401
31 في عدم سقوط الكفارة بعروض مسقط شرعي كالحيض والسفر الضروري 404
32 فيما إذا افطر لظن دخول الليل 407
33 وجوب القضاء مع تعمد القئ 410
34 في وجوب القضاء والكفارة بالكذب على الله 412
35 حكم ما لو تعمد الارتماس 413
36 في تكرر الكفارة بتكرر الموجب في اليوم الواحد 418
37 من افطر في رمضان مستحلا له فهو مرتد 420
38 في تعزير المجامع 421
39 في عدم وجوب الفورية في القضاء 427
40 مقدار الطعام المسكين في الكفارة 431
41 درس: في عدم بطلان الصوم بابتلاع الريق جواز التبريد بالغسل 436
42 كراهية مباشرة النساء 438
43 كراهية اخراج الدم المضعف بفصد أو حجامة 439
44 كراهية شم الرياحين 439
45 في مستحبات السحور والإفطار 443
46 في إتيان النساء أول ليلة رمضان 444
47 استحباب احياء ليلة القدر 444
48 في انقسام الصوم بانقسام أحكامه 447
49 في الصوم المستحب 453
50 كتاب الاعتكاف في عدم وجوب الاعتكاف الا بنذر أو عهد أو يمين أو غيره 503