مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ٢٣٩
ولا بركة فيه ولا سداد.
لذلك يضيف المؤلف مفسرا بقوله إن الذهب والفضة إذا أخرجا من معادنهما الأصلية في جوف الأعماق تصبح آنذاك كالزروع المحصورة في الفلاحة والأنعام المذبوحة لمربي المواشي لا يسوع غير جنيها وأكلها وإنفاقها والاستعاضة منها حيث يهيا المعدن بأمر ذي سلطان كما تصنع نقود العملة في السكة بعد سبكها وطبعها دراهم وسواها عينا وورقا لأجل ترديده في الأيدي على حسبة تجارة أو إيتاء في حقوقه (1).
ترويحة 6: ينتقل المؤلف هنا للحديث في موضوع طريف ذي شقين ألا وهو التعريف بالمروءة والفتوة ومعناهما الحقيقي ضمن النظام والعرف الاجتماعيين. وهنا نقول إن المروءة تقتصر فقط في مفهومها على الرجل في نفسه وذويه وحاله فالمرء مبدئيا لا يملك غير نفسه وقنيته وأملاكه لا ينازعه فيها أحد فهي لذلك تدفع به لأن يظهر السعة لدى الآخرين ويخفي الضيق على نفسه ما أمكن فيصدق في ذلك القول: المروءة الظاهرة في الثياب الطاهرة وهي ما يمكن تأويله بان لا يعمل المرء سرا ما يستحي منه في العلن، وأن يكون في ذلك شعاره هو أن نفس الإنسان أقرب قريب منه وأولى ما تقدم في طلبه إنما هو للخير لها أولا ثم ما هو دان منها وهكذا. أما الفتوة فتتعدى الحدود المرسومة في المروءة وتتخطاها إذ بها يحتمل المرء مغارم الآخرين وسائر المشاق لتأمين إراحة وإسعاد الغير فلا يضن بما أحل الله له وحرمه على سواه ليجود به طبعا، فهو الفتى الذي اشتهر بعدم تمسكه بالمادة وعرف بالحلم والعفو والرزانة والاحتمال صابرا نائلا تعظيم الناس في تواضعه فرقي بذلك إلى أعلى المراتب رغم اعترافه بعدم استحقاقه نائلا نتيجة لذلك خير الثواب.
فهي إذا بشر مقبول ونائل مبذول وعفاف معروف وأذى مكفوف. فالمروءة كل هذا من حسن الوفاء وكرم المحتد.
ويروي المؤلف قصة رجل كان يلبس كل يوم أحسن الثياب ويركب أفره الدواب ويسعى في تلبية حاجات الناس وشيكا فقيل له لتعليل السبب في ذلك فأجاب بأنه قبلا كان قد انغمس في جميع شهوات الحياة وملاذها من سكر وبطر ومنكر ولكن هذه كلها لم تشبع نفسه بل تركته تعيسا، وأما الآن فليس أدعى لنفسه من مسرة ولا أكثر متعة وبهجة من رؤية إنسان أنعم إليه وأسعفه فشكره ممتنا عند الاخوان. من أجل هذا فهو في نشوة روحية دائمة وغبطة لا توصف حتى أن المؤلف يسترسل في توجيه أطيب الثناء في مدح النفس العصامية التي لا تنهمك بمتاع الدنيا وملذاتها وشهواتها فتخسر الآخرة بل ينصرف نحو المنطلق الأفضل بالقناعة وكرم الأخلاق لسعادة الروح في الدنيا والآخرة.
ومن وجهة أخرى يوصي المؤلف بان يكون فضل الإنسان مرهونا باعماله الشخصية وليس بالافتخار بالأجداد وجاه الآباء والأقرباء السالفين وإلا فهو الميت وهم الأحياء كما قال الشاعر:
إذا المرء لم ينهض بنفس إلى العلا * فليس العظام الباليات بمفخر وربما أفرط الفتى فتجاوز لذا ينبه المؤلف من مغبة الافراط في إيثار الغير على النفس ببذلها أنفة من تحمل العار أو دفعا للظلم وحفظا لحق الجوار، أو في سبيل إكرام الضيف والحفاظ على الأمانة كما يروي عن سيرة الشاعر الجاهلي حاتم الطائي الذي اشتهر بشجاعته وسخائه حتى قيل عنه أجود من حاتم توفي سنة 605 م وكعب بن مامة الأيادي الذي يضرب المثل في جوده لأنه في ساعة العطش الشديد سقى صاحبه مما لديه من الماء ومات عطشان فأعطيا كل ما تملك اليد من دون مقابل فالجود بالنفس أقصى غاية الجود.
إذا لا يتمكن المرء من تحقيق الفتوة إلا متى نال هانئ العيش ورغيده واتساع النعمة ليقوى بذلك على مساعدة الآخرين بالكد والاجتهاد ولا ملامة على من لم تساعده الأقدار على الوفاء بالغرض، ما دام قد كرس نفسه لايذاء العدو ونفع الصديق وإشراك غيره في رزقه.
ثم أنه لا يرائي لغرض تافه مذموم بل يقوم بواجبه احتسابا.
ترويحة 7: هنا يقارن البيروني بين العاقل الحكيم الذي يجد لذته في الأمور النفسانية الروحانية والمثل العليا التي يلاحظها بعين البصيرة والاعتبار وبين الجاهل الغبي المنغمس في اللذات الحسية والمنجذب إلى صنوف الزينة بما فيها المجوهرات وزخارف الحياة التي تستهوي الغريزة الحيوانية فترقص أضلاعه لها طربا ولكن ما هذه برأي المؤلف، إلا لذائذ سريعا ما تزول وتعقب بعدها الحسرة والندم وتبدل نضارة الشباب وجماله إلى حطام الانحلال وفناء القوة وذبول القوام. لكن هذه التذاكير لما كانت أعراضا محمولة في أشخاص محدودة الأعمار بالية على تعاود الليل والنهار لم تخلد فهي من عالم الفساد والعناء فأقيم لهم بدلها من الجواهر المخزونة تحت الثرى في الأحجار المنعدة وفي المكنونة المصونة في أعماق البحار المسحورة ما كان أبقى على قرون تمضي وأحقاب تمر وتنقضي وكانت منة عليهم، من خالق الكون الذي هو عالم بما لا نعلمه وقد أودع وجعل هذه الكنوز جاهزة في حينها من صنوف الأحجار الكريمة مثل اللؤلؤ والمرجان والياقوت والزبرجد والماس وما إليها (2).
ولولا أهمية الزينة في عداد المجوهرات والأعلاق النفيسة لما انفصلت مبدئيا عن الذهب والفضة فان سبيلها كلها في عدم الفناء وعند الضرورات سبيلهما إذ برأي المؤلف لا منفعة مباشرة تجنى منها في قضاء الحاجات الضرورية المنشودة لذا وإن كانت مختلفة عن نفيس المعادن في تثمين الحوائج ومستلزمات العيش، فإنها كذلك مثمنة بهما وربما كانت على وجه التعويض مزيحة العلل وهي جواهر جسمانية يعمم بهذا على الياقوت والمرجان واللؤلؤ والزبرجد وغيرها من الأحجار الكريمة ونفاستها بما يحس الحس منها فحاسة البصر ترى ألوانها الرائعة وجمالها البديع وتنسيقها وانعكاس الضوء عليها فيمدح بحسب ذلك ما دامت مستبدة به لأنه ما دامت أهواء الناظر مغرمة ومنجذبة نحو المظاهر الجسدية الخلابة والمغرية فإذا قورنت بالجواهر النفسانية انكشفت حقيقتها

(١) العين هو الذهب المضروب للمعاملة التجارية وهو النقد المتداول بين الناس والعتيد من المال والعينة هي خيار المال في حين أن الورق (ج أوراق) هي الدراهم المضروبة انظر معلوف، المنجد في اللغة. وحول الصعاليك انظر العصر الجاهلي لشوقي ضيف، القاهرة، دار المعارف، ط ٥، ١٩٧١ م ص، ٣٧٥ - ٣٨٥.
(٢) سورة الرحمن: ٢٠ - 21 (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان فبأي آلاء ربكما تكذبان) وسورة النحل: 13 وفاطر: 11 (وترى الفلك مواخر فيه ليبتغوا من فضله وتستخرجون منه حلية تلبسونها) سورة الرحمن: 56 - 57 أيضا (كأنهن الياقوت والمرجان) انظر حمارنه، فهرس الظاهرية الطب والصيدلية، دمشق، مجمع اللغة العربية، 1969 م ص 110 - 114.
(٢٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 234 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370