مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ٢٢٨
ج أفعال تخضع في قيامها لعامل التمييز الذهني عند الإنسان.
وجميع هذه الأفعال إذا قيست من وجهة نظر أخلاقية تخضع لما يسميه الفيلسوف الفارابي بجودة التمييز أو رداءته. ولكن من أين لنا قنية هذه الجودة في التمييز؟ ذلك هو الأصل وهو الغاية في مبحث التنبيه على سبيل السعادة التي قصدها الحكيم.
فنحن لا ننال السعادة بالأفعال الجميلة ما لم تكن تلك الأفعال قاصدة هادفة من جهة، ومتحققة بصناعة معينة من جهة أخرى، بحيث يعود الكائن الناطق يمتلك قدرة على التمييز في أفعاله المختارة طيلة حياته بأسرها. وذلك لأنه في فطرته يمتلك استعدادا لها يستطيع في حال التطبيق الذاتي والتعلم أن يميز بين الصواب والخطأ، وبين الجميل والقبيح، في تعادل تفرضه أحيانا إمكانية أحدهما على الآخر، أو غلبة أحدهما على الآخر.
وعلى الرغم من هذا، فان القوة التي يفطر عليها الإنسان غير مكتسبة، بينما حال التمييز تتصف بالاكتساب. والأخيرة منهما تنقسم إلى صنفين:
أحدهما به يكون التمييز، إما جيدا وإما رديئا... والآخر به تكون الأفعال وعوارض النفس إما جميلة وإما قبيحة. والأخير من الصنفين يدعوه الفيلسوف بالخلق ويحده بأنه الذي تصدر به عن الإنسان الأفعال القبيحة والحسنة على أن تخضع الأفعال ويخضع التمييز للثوابت التي تلزم الإنسان بان تكون أفعاله وتمييزه في كل شئ، كي يمكن عندئذ إدامة فعل الجميل وجودته معا، بحيث تصير لنا قوة الذهن ملكة لا يمكن زوالها باعتبار أن الخلق الجميل وقوة الذهن هما الفضيلة الإنسانية.
وفي سبيل تحقيق هذه الغاية التي قصدها الفيلسوف، ينبغي أن نسلك طريقين لنقف منهما على مقاصد أبي نصر بالذات.
الأول: محاولة أن تصير الأخلاق الجميلة ملكة لنا، بحيث لا يمكن للصواب أن يزول إلا بعسر ومشقة.
الثاني: أن تكون لدينا القدرة على إدراك الصواب إدراكا سليما لا عوج فيه ولا ضلال.
فما هي الوسيلة التي تحقق لنا الوصول إلى المهيع الأول من هذين الطريقين؟
إنها، وقبل كل شئ، وسيلة الاعتياد، والمقصود به تكرير فعل الشئ الواحد مرارا كثيرة زمانا طويلا في أوقات متقاربة من حيث أن الفعل الجميل هو ممكن للانسان بالقوة قبل حصوله، وممكن بالفعل بعد حصوله، فهو إذن بالتعود يتحقق، وبالتطبيق يظهر وينمو.
ولكن ما هي الآلة التي ينبغي أن نستعين بها كي تقودنا إلى الفعل الجميل حقا؟... يؤكد الفيلسوف هنا إنها آلة الوسط الأخلاقي فالأفعال متى كانت متوسطة حصل الخلق الجميل... وما يقوله الفارابي عن الوسط الأخلاقي هو ذاته الذي تبناه من قبل المعلم الأول أرسطوطاليس في كتابه المعروف الأخلاق إلى نيقوماخوس.
فنحن حين نهدف إلى الوقوف على الوسط في الأفعال الخلقية، علينا أولا التعرف على زمان الفعل ومكانه ومن منه الفعل، ومن إليه الفعل، وما منه الفعل، وما به الفعل، وما من أجله وله الفعل، وجعلنا الفعل على مقدا كل واحد من هذه. فحينئذ نكون قد أصبنا الفعل المتوسط. ونظر لاختلاف مستويات الأفعال الخلقية، لذا نجد أن الوسط الأخلاقي يختلف قوة وضعفا، سلبا وإيجابا، حسب أفعاله وغاياتها.
ويحاول الفارابي ها هنا سوق نماذج لأفعال الوسط الأخلاقي، محتذيا بها إلى حد كبير حذو أرسطوطاليس في كتابه المشار إليه سابقا... فمثلا: إن الشجاعة خلق جميل يحصل بتوسط في الاقدام على الأشياء المفزعة والاحجام عنها. والزيادة في الاقدام تكسب التهور، والنقصان في الاقدام يكسب الجبن، وهو خلق قبيح... والسخاء يحدث بتوسط في حفظ التقتير، وهو قبيح. والزيادة في الإنفاق والنقصان في الحفظ يكسب التبذير. ومن ثمة يشير إلى أوساط أفعال أخرى كالعفة والظرف والهزل والمجون والتودد وغيرها، منتهيا إلى أن تحديد هذه الأشياء على الاستقصاء ليس يحتمله هذا الكتاب، وقد أستقصي في موضع آخر لعل الفارابي يعني في هذا الاستقصاء كتابه الذي ألفه شرحا على كتاب أرسطوطاليس الأخلاق إلى نيقوماخوس الذي أشار إليه في مؤلفه: الجمع بين رأيي الحكيمين أفلاطون وأرسطوطاليس.
والميزان الحق في الحكم على الفعل الخلقي هو أن نحصي الأخلاق خلقا خلقا، ونحصي الأفعال الكائنة عن خلق خلق، ومن بعد ذلك ينبغي أن نتأمل وننظر أي خلق نجد أنفسنا عليه بحيث يكون للانسان السوي آلة يسبر بها غور أفعاله، فما وجده منها يتصف بأنه جميل وملذ وغير مؤذ، اعتبره خلقا سليما، والعكس بالعكس. فكان مراقبة النفس لكل فعل تقوم به واختيار الوسط من تلك الأفعال، هي عملية يتميز بها الإنسان في تطبيقاته الخلقية، بموازنة دقيقة بين إفراط وتفريط، أو نقصان وزيادة، وتجنب الوقوع في أحد طرفي المعادلة، لأن الحدين المستقطبين يتصفان معا بالرذيلة. بينا الفضيلة منهما وسط، لا يميل إلى هذه ولا إلى تلك بل هو صراط مستقيم لا عوج فيه ولا التواء، ينبغي أن لا تزل قدم الإنسان عنه، فيهوي عندئذ في ضلال الغي والفعل السيء الذي يتصف بالقبح والسلب والفدامة!...
وعلى الرغم مما يراه الفارابي في قضية الوسط الأخلاقي وضرورة الأخذ به، فهو في الوقت ذاته لا يخفي عنا صعوبة عملية الكشف عنه، لأن الوقوف على الوسط، كما يقول الفيلسوف، عسير جدا! ولكن الحكيم يبقى مؤكدا أن التعود سبيل لا حب في اقتناص هذا الوسط حيثما كان، سلبا أو إيجابا... وتلك شنشنة تمسك بها المعلم الأول، وحذا حذوه جميع الذين ساروا على الطريق ذاته من أنصار الأخلاق المعيارية ذات الحكم الذي لا يخضع للتغير الوضعي في كل زمان وفي كل مكان!...
وأيا ما كان، فإننا كلما وجدنا أنفسنا مالت إلى جانب عودناها أفعال الجانب الآخر، ولا نزال نفعل ذلك إلى أن نبلغ الوسط أو نقاربه جدا كما يقول الفارابي. ووسيلة الكشف عن ذلك تتحقق على الشكل التالي: بان ننظر إلى سهولة الفعل الكائن عن النقصان، هل يتأتى أم لا، فان كانا يقصد التاتي أو عدمه على السواء من السهولة، أو كانا متقاربين، علمنا أنا قد وقفنا أنفسنا على الوسط. وامتحان سهولتهما هو أن ننظر إلى الفعلين جميعا، فان كنا لا نتأذى بواحد منهما، أو نلتذ بكل واحد منهما، أو نلتذ
(٢٢٨)
مفاتيح البحث: الضلال (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 223 224 225 226 227 228 229 230 231 232 233 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370