مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ٢٢٩
بأحدهما ولا نتأذى بالآخر، أو كان الأذى عنه يسيرا جدا، علمنا أنهما في السهولة على السواء ومتقاربين ولما كان الوسط بين طرفين، وكان قد يمكن أن يوجد في الأطراف ما هو شبيه بالوسط، وجب أن نتحرز من الوقوع في الطرف الشبيه بالوسط.
وفات الفارابي أن الأحكام العقلية هنا، سواء على الفعل أو وسطه الأخلاقي، قد لا تستوي لدى جميع الأفراد في إشكالاتهم على الوسط مهما تفاوتت درجاته وتباينت أوضاعه. ومن هنا فليس للانسان، من الناحية النظرية على أقل تقدير، إلا أن يحسم القول بان الوسط فعل اختياري، وكل فعل اختياري لا يتم في ظل المدرسة المعيارية في علم الأخلاق إلا بسبيل العقل، بعيدا عن تأثيرات المحسوسات وما تقود إليه من ضلالات!
وليس في موقف الفارابي هذا ما يضاد الرأي الذي نراه، ولكننا نعود لنؤكد ثانية أن الإنسان لا يمكن له أن يستحيل إلى عقل خالص فحسب، دون أن تحتويه تكامليته النفسانية في اختيار الفعل الذي يريد وتلك مشكلة قامت في الأخلاق والفلسفة، تنازعتها التكاملية من جهة، والثنائية من جهة أخرى، وبقيت حتى عصرنا الحاضر تمثل موقفا من مواقف الفكر الإنساني بكل صوره ومفارقاته... ونحن أميل إلى التكاملية منا إلى الرأي الآخر!...
وعود على بدء، فالناس في رأي الحكيم يختلفون فيما بينهم: فهناك من له جودة الروية وقوة العزيمة، ويمثل هذا الجانب الإنسان الحر. أما من افتقر إليهما أو إلى العزيمة بالذات، فهو الإنسان العبد بطبعه!... ويتميز الأحرار هنا بأنهم: متى أرادوا أن يسهلوا على أنفسهم فعل الجميل وترك القبيح باستعمال اللذة والأذى، فان الأخفى منها والأظهر عندهم بمنزلة واحدة باعتبار أن بعض اللذات أعرف لنا، ونحن أشد إدراكا لها، وبعضها الآخر أخفى ونحن أقل إدراكا لها، سواء في الطبع أو العاقبة.
وجودة التمييز تتفرع في هذه المرحلة إلى صنفين: صنف ينبغي أن يعلم وليس شانه أن يفعله إنسان في الوجود، وصنف شانه أن يعلم ويفعل مع تلازم فيه بين العلم والعمل معا وهذا الأخير يحصل لنا بصنائع تكسبه علم ما يعمل والقوة على عمله، ويتصف بان له قصده الإنساني الذي يتمثل بثلاث شعب هي: اللذيذ والنافع والجميل والنافع، إما ينفع في اللذة وإما ينفع في الجميل. فالصنائع إذن صنفان أيضا: صنف مقصوده تحصيل الجميل، وصنف مقصوده تحصيل النافع.
ويقرر الفارابي هنا أن الصناعة التي مقصودها تحصيل الجميل فقط هي التي تسمى الفلسفة أو الحكمة على الاطلاق وأن الجميل هذا يتفرع إلى قسمين:
أعلم فقط، وهو الفلسفة النظرية وتشمل موضوعات التعاليم والطبيعة وما بعد الطبيعة.
ب علم وعمل، وهو الفلسفة العملية والمدنية والسياسية.
ويمسك الفيلسوف، في ضوء هذا التقسيم، بالصنف الذي تصدر عنه الأفعال الجميلة والقدرة على أسبابها، بحيث تعود هي قنية لنا، وينعتها الفارابي ب‍ الصناعة الخلقية مؤكدا أن الطريق إليها يمر عبر الفلسفة، والفلسفة تحصل بجودة التمييز، وجودة التمييز تحصل بقوة الذهن على إدراك الصواب. ولا يتحقق الأمر الأخير إلا بوسيلة أخرى تتخذ آلة لهذا الغرض، وتسمى صناعة المنطق.
فعلم المنطق، في هذا التنظير، صناعة تتقدم على غيرها من العلوم بالأولوية، لأنها سلاح للتمييز بين ما هو صادق وكاذب. والعقل الإنساني آلتها وسبيلها، وبها ينال كماله المطلوب والمرغوب فيه، باعتبار أنها تفيد الحكم بصواب ما يعقل، والقدرة على اقتناء الصواب فيما يعقل.
والمنهج السالك هنا يفرض على دارس الفلسفة أعني الباحث عن سعادته الحقة أن يتسلم مقدمات قبل البدء بصناعة المنطق، لأن بين هذه المقدمات وعلم المنطق علاقة شبه. ويقصد الفيلسوف بهذه المقدمات صناعة النحو من حيث أنه يفيد العلم بصواب ما يلفظ به، والقوة على الصواب منه بحسب عادة أهل لسان ما. لذا يجب أن تتحقق في المنهج الكفاية من التنبيه على أوائل هذه الصناعة، ومن ثمة الولوج إلى دراسة هذا العلم الذي يقوم الذهن، ويقود في النهاية إلى اقتناء الفلسفة الصادقة التي هي الهدف الأصيل للانسان السعيد!...
يقول الفارابي: ولما كانت صناعة المنطق هي أول شئ يشرع فيه بطريق صناعي، لزم أن تكون الأوائل التي يشرع فيها أمورا معلومة سبقت معرفتها للانسان، فلا يعرى من معرفتها أحد، وهي أشياء كثيرة. وليس أي شئ اتفق منها يستعمل في أي شئ اتفق من الصنائع، لكن صنف منها يستعمل في صناعة، وصنف آخر في صناعة أخرى فلذلك ينبغي أن نحصل من تلك الأشياء ما يصلح لصناعة المنطق فقط. والذي يصلح لهذه الصناعة، في رأي الفيلسوف، هو الألفاظ المنطقية الدالة. لذا وجب أن نأخذ من صناعة النحو مقدار الكفاية لغرض الإفادة من تلك الصناعة فحسب.
وفي مثل هذه المرحلة نكون قد بلغنا السبيل التي ستقودنا إلى السعادة المرغوبة التي من أول مراتبها تحصيل صناعة المنطق وآخر غاياتها بلوع القدرة على تأمل الخير المطلق، وتلك هي نهاية شوط العقول في اقتناصها المعرفة العرفانية التي تريد!.
2 هوية الكتاب:
في تحقيق هوية التنبيه على سبيل السعادة نحو من الاطمئنان، حيث أشار إليه ابن أبي أصيبعة ت 668 ه في كتابه الموسوم عيون الأنباء في طبقات الأطباء، تحت عنوان: رسالة في التنبيه على أسباب السعادة...
ويذكره صلاح الدين الصفدي ت 764 ه في كتابه الوافي بالوفيات تحت عنوان التنبيه على أسباب السعادة. وأقدم إشارة إليه أوردها عبد اللطيف البغدادي ت 629 ه في إملاء سيرته الموسوم الإفادة والاعتبار حيث نعته ب‍ التنبيه على سبيل السعادة... وأورد القفطي ت 646 ه في كتابه إخبار العلماء باخبار الحكماء اسم كتاب في السعادة الموجودة لعل المقصود منه كتاب التنبيه ويرد بذات الاسم كذلك في فهرست مكتبة الأسكوريال بإسبانيا.
ونحن، من حيث عنوان الكتاب، أكثر ميلا إلى اختيار لفظة سبيل بدل أسباب، وقد استوحينا ذلك من طبيعة النص الداخلي من جهة، وما ذكرته بعض نسخه المخطوطة التي أشرنا إليها في كتابنا الموسوم مؤلفات
(٢٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 224 225 226 227 228 229 230 231 232 233 234 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370