مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ٢٣٧
آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ومن هنا يستدل على إمكانية ودواعي التقارب بين الناس للتعارف والتآخي من جهة واحدة والسعي في طلب الأمان من الشر والخطر والتفرق والدمار من جهة أخرى حتى يتضاعف الأنس ويزول النفار بين الشعوب ويعتبر المؤلف أن فضيلة الاستئناس هذا إن هي إلا أسباب تدفع بالناس إلى التعاون والتقارب الواحد من الآخر والاجتماع لتأسيس القرى ونشوء المدن والدساكر وتطورها (1).
ترويحة 4: ومع كون الإنسان اجتماعيا بطبعه إلا أن المؤلف هنا يعالج أمور الناس بالنسبة لبنية أبدانهم وجبلتهم الجسمانية وما تتركب منه من أمشاج وأخلاط متضادة وشهوات متعارضة وأمزجة مختلفة فتتباين نتيجة لذلك أخلاقهم وطبائعهم وأهوائهم حتى أن يقهر أحدهم الآخر ويظلمه ويغمط حقه فينتج عن ذلك أن الشخص المظلوم يصبح دائم النزوح لإزالة القهر عنه فينشأ عنده حب الافتراق والابتعاد طالبا للهجرة إلى أوطان أخرى وحتى مع هذا نجده في غربته عرضة للأخطار الخارجية ومداهمة البلايا والمحن أضف إلى ذلك ضعفه وعجزه مما يجعل المرء دوما في حالة القلق وفي حاجة للعون والاسعاف والأمان ومن هنا جاءت رغبته الملحة والأكيدة ينشد حياة الوئام والتمدن والسعي للتجمع في القرى والمدن العامرة ليقرب من أخيه الإنسان ويستقر.
وفي تجمع الناس ضمن المدن نجد أنهم لو تساووا بالاختبار والهمم، حسب رأي المؤلف، لضاعت عليهم منافع كثيرة وأدى تساويهم في نهاية الأمر إلى هلاكهم جميعا. فلا بد إذا من اختلاف المقاصد والإرادات والمواهب والكفاءات وبذلك تتعدد أنواع الحرف والصناعات وتزداد المآرب وتتعقد الخدمات ويصير الإنسان في حاجة لأخيه الإنسان على المستويات والكفاءات أو أن ذلك يؤول به لطلب واستخدام لمقايضة أو مقابل سلعة أو أجرة يتفق عليها ويتقاضاها الواحد من الآخر إما لحاجته الضرورية أو لاستغنائه عنه كان تقدم سكة معينة أو أثمان عامة وعملة تقدر بدل خدمات معينة، فاختاروا لها ما راق منظره ورواؤه وعز وجوده وطال بقاؤه، من أنواع العملات والمسكوكات والمعادن وحتى الجواهر الثمينة التي كثر انتشارها وأزداد وتأيد تداولها بين الناس في المبايعات ولأن استخدامها يصبح سببا لبقائها وندرتها وعظم قيمتها. ومن أجل ذلك نرى أن المؤلف يبحث في فلسفة قيام العملات والسكة بأنواعها وتاريخها وما آل إليه الأمر من انقياد الناس لتعظيمها وتقييمها بالتوحيد والتصغير بالتجزئة والتبديد والتختم بالتنقيش والتصوير مترددا بين صنوف الهيئات والصور مع ثبات هيولاه ومادته من نفيس الجواهر والعملات وما إليها (2).
إن هذه الجواهر المتداولة بين الناس والمخزونة في باطن الأرض وما هو مستور منها عن الأعين إن هي إلا ودائع صالحة أعدها الله تعالى مزودة بالآلات التي بها أزاح علل الخلق ومجريات الكون وتقييم آثارها وقد هدى الإنسان بالعقل المنبه إلى الآيات الكريمة بواسطة الرسل والأنبياء المرشدين إلى صلاح العقبى وقد وكل الأمر في الورى للملوك خلفائهم ليعملوا على نشر العدل وإعلاء الحق لما هو في صالح الناس جميعا ورأفة بهم وإحسانا إليهم ومنفعة لهم قد سبق مخبأ لهم قبل خلقه إياهم جميعا الموزونات في أرحام الأرضين تحت الرواسي الشامخات للانتفاع بها في الاجتلاب والدفاع الصيانة والاعتدال كما جاء في سورة الحجر: 18 والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شئ موزون (3) ويعتقد البيروني أن الترتيب الإلهي قدر بان تكون مصالح الناس ومعاملاتهم التجارية الاقتصادية والخدمات التي يقوم بها أحدهم تجاه الآخر يجب أن تكون على حساب التقييد والمعاملة بالفضة والذهب وتقدير قيمها نقديا ومعنويا وعلى مقتضاه إذ هو أيضا هدى الإنسان لاستخراجها من معادنها التي اختزنت في أعماق الأرض ألوف السنين وقد منح هؤلاء الملوك الخلفاء السلطة والرياسة ووكل لهم السياسة والأمر والنهي لاستخراج هذه المعادن الثمينة وليصنعوا منها العملة والنقود ويحفظوها من تمويه الخونة الخادعين وتزييفهم أولئك الذين يروجون أشباه الفضة والذهب المغايرة لهما في الجودة والنقاء والدقة ويهذبونهما عن الأدناس والغش وذلك بالسبك الأصيل والطبع في السكة المضمونة لاحقاق الحق وإزهاق الباطل وتامين مصالح العباد وللحيلولة دون ترويج ما هو مغشوش مزيف من معدنهما، وهذا وأمثاله هو المحوج لولي الرياسة إلى مراعاة شروط السياسة ليستحقوا اسم الخلافة في الخلق وسمة الظل في الأرض عند التقبل بافعاله سبحانه في التعديل بين الرفيع والوضيع والتسوية بين الشريف والضعيف من خلائقه ووفق الله للخير كل مستوثق به (4).
ترويحة 5: يتابع البيروني في حديثه هنا حول أهمية الذهب والفضة في اقتصاد الشعوب واتجاهاتها السياسية وحياتها الاجتماعية وما يتبع ذلك من أمر

(١) يرى البيروني ميل الإنسان لإنشاء مجتمع كأمر طبيعي تمليه الغريزة والحاجة للأمن وتوفير أسباب العيش المختلف، ومن قبل تكلم ابن خلدون في مقدمته عن العمران والنظم الاجتماعية والاقتصاد.
(٢) لقد عالج البيروني تاريخ استعمال النقود والمسكوكات وصناعة الأختام وأسباب انتشارها وأوزانها وأشكالها وندرة الأحجار الكريمة والمقايضة بها وأثمانها معادن الذهب والسكة في الإسلام والمعاملات التجارية. ثم إن الدكتور محمد يحيى الهاشمي في " نظريات الاقتصاد عند البيروني " في مجلة المجمع العلمي العربي، دمشق، مطبعة ابن زيدون، ١٩٣٧ م، ج ١٥، ص ٤٥٦ - ٤٦٥، وفي مجلد العالم أبو ريحان البيروني، أسبوع العلم الرابع عشر، دمشق، مطبعة الجامعة، ١٩٧٤ م، ص ١٨١ - ١٨٩، يعتبر البيروني رائدا في علم الاقتصاد وإن " الأزمات مهما تراءت لنا بمظهر مادي هي في الحقيقة أزمة روحية " انظر السكة في الإسلام لعبد الرحمن محمد، القاهرة، مطبعة المكتبة المصرية، 1957 م، وأيضا صبح الأعشى، لأبي العباس أحمد القلقشندي، القاهرة، 3 - 436 - 41، 461 - 63 وقد اكتشف هذه النظرية الاقتصادية في مقدمة البيروني في شرحها.
(3) اعتبر البيروني التطور ونظرية النمو ضمن إطار إيمانه بالله كخالق العالمين ورأى أن كل ما خلقه الله كان حسنا وكاملا ومع تمجيده لقوة العقل والمنطق إلا أنه كمؤمن رأى أن أهمية العقل أولا هي في فهم كلمة الحق والإصغاء لقول الأنبياء والمرسلين، وبقي أمينا في اعتقاده بشرعية الحكم للخلفاء العباسين مدافعا عن كيانهم ضد المقاومين والفاتنين عليهم معترفا بولائه لهم حتى الرمق الأخير من حياته، فهم الأصل ولهم الاختيار والشرع ليجروا عدلا كأمراء المؤمنين وقد منحهم الله حتى الكنوز في باطن الأرض وتحت الجبال الثوابت ومن كل بمقدار وبكل حكمة وفطنة. انظر جرجي زيدان، تاريخ التمدن الإسلامي، القاهرة، ج 1: ص 140 - 146.
(4) كما كانت الأدوية والعطور والأطايب تغش بما هو دون من مفردات الطب كذلك كانت الجواهر تغش بالنحاس وغيره. انظر أحمد القلقشندي، صبح الأعشى، ج 2: 97 - 118: وحول المعاملات بالسكة انظر مقالة صالح الحمارنة " العملة العربية الإسلامية في بلاد شمال وشرقي أوربا ودلالتها في العلاقات التجارية "، دراسات (عمان، الجامعة الأردنية)، ج 2 (أيار 1975 م) ص 39 - 57.
(٢٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 232 233 234 235 236 237 238 239 240 241 242 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370