مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ٢٤٢
تصف بدقة المغالاة في تزيين القصور وإظهار الأبهة والجاه عند الملوك ذوي لأمجاد إلى حد فاق الحسبان (1).
وكعالم اجتماعي واقتصادي وكمؤرخ عارف بالأحداث والأزمان، يعود البيروني مرة أخرى ليوضح بثاقب بصره اهتمام الناس بالأحجار والأعلاق النفيسة وأثرها في كسب الوجاهة وتأييد السلطان مع العوامل السلوكية والاجتماعية وأسبابها المنوه إليها في هذا الباب فاسمعه مثلا موصيا وناصحا:
كل ذلك علامات لعلو الهمة وانبساط اليد بالقدرة. ثم تتزينوا بصنوف الزينة المثمنة لتحلو في القلوب وجلالة الأموال في العيون فتتوجه إليهم الأطماع وتناط بهم الآمال، والأحلام مشيرا هنا إلى الدور الذي تلعبه الجواهر في التأثير بآراء الناس وطرقهم المنهجية. وإن الأمر لا يقف عند هذا الحد في طلب الأمجاد والسلطان بل يتعداها إلى المخابرات الجاسوسية وحيل السياسية وأحابيلها إذ يضيف قائلا: واحتالوا بحيل تفاضلت في البدعة والحسن والغرابة للغوص على سرائر الخاص من البطانة وأفعال العام من الرعية ومقابلتها بواجبها وفي إسراع ذلك على تنازح الديار بالفتوح المتناقلة والبرد المرتبة والسفن المطيرة والحمامات الهادية الطاوية للمسافات حاملة للأوامر والأمثلة في المدد اليسيرة حتى خيفوا في السر والعلن واجتنبت خيانتهم فيها وتوقف على ذلك من أخبار دهاة الملوك وحبابرتهم، وفي هذا ذكر لاستخدام الحمام الزاجل من نقل البريد المستعجل آنذاك بين بلد وآخر وغيرها من وسائل التنقلات والرحلات في العالم الاسلامي قاطبة.
ترويحة 12: ومما سبق الإشارة إليه من تأكيد أهمية الغنى المادية بالذهب أو الفضة والجواهر وأثرها في المجتمع يستنتج المؤلف مدى القوة الخفية للمال في تسيير سياسة الملوك وسلطان الرؤساء كما يرى الدور الهام الذي يلعبه في تأييد الحكومات وتنفيذ مآربها مع تبرير مثل هذه التصرفات حيث يضيف:
الملوك أحوج الناس إلى جمع الأموال لأنهم بها يملكون الأزمة ويسيرون بمكانها الأعنة. وقد أوضح السبب الذي من أجله مثلا كان الخليفة أبو جعفر المنصور العباسي يجمع الأموال ويخزنها حتى وصمه الناس بالبخل وهو براء من ذلك لعدم إدراكهم لما كان يهدف من هذه النقود المخزونة وما يعمل من أجلها وقد شرح أمره لحاجبه مرة مفسرا كيف أنه بالمال يستطيع السلطان التحكم بمقدرات الناس لأنهم جميعا بحاجة إليه ويتشوقون لاقتنائه فمن معه المال معه السلطان وله اليد الطولى في الحكم. ثم يقول المؤلف في الأمير يمين الدولة محمود الغزنوي 389 421 ه 999 1030 م إنه ما كان يفرع من فريسة قصدها وظفر بها إلا ويجيل بصره بعدها لأخرى يزحف إليها ويحوزها، حتى لا يكون مجال للتوقف أو التغيير ثم إنه إذ كان قد وكل أمره للمنجمين سنة وهو عائد منصرفا من مدينة خوارزم حيث أخبروه بامتداد حكمه لما ينيف على عشرة سنين أنه عندها أجاب: إن قلاعي مشحونة من الأموال بما لو قسم على أيام تلك الأعوام لحاجتها بما لا يعجزه إنفاق مرتب أو مسرف فيه.
وعند سماع ذلك حملت البيروني النشوة، وكانت لا تزال بينهما بعض جفوة لقسوة السلطان وتفاخره وشدة بطشه، على الإجابة قائلا: اشكر ربك وأسأله واستحفظه رأس المال وهو الدولة والاقبال فما اجتمعت تلك الذخائر إلا بهما ولن تقاوم بأسرها خرج يوم واحد غير منتظم بزوالها، فامسك الأمير لأنه رأى في نصيحة البيروني بالاهتمام في رعيته والإنفاق على مصالحهم وتوفير السعادة لهم والمساواة بينهم لما فيه بقاء الملك يكون ذلك أبقى مأثرة وأخلد ثروة (2). وتستمر علاقة البيروني بأمراء غزنة بعد وفاة محمود فيخدم أيضا الأمير مسعود 421 433 ه 1030 1041 م ابنه الأكبر ويغدق عليه النصح فلم يعتبر حتى مات شهيدا وتبذرت أمواله الدثرة، المكتسبة منها والموروثة عن أبيه في يوم واحدا (3). وقد تلاشت كما يتلاشى الدخان في مهب الريح وذهبت هباء منثورا، ولم يكشف عن غادر به مقرا ولم يظهر في كسير جبرا، لأن قاتله لم يعرف وكان نصيبه الهلاك وبئس المصير لكثرة غروره وإثمه.
ترويحة 13: يعطينا البيروني في هذه الترويحة خلاصة فلسفته في الاقتصاد والحياة الاجتماعية ويركز حديثه مرة أخرى على طبقة الصعالكة وطبقة الحكام وهما في طرفي النقيض والقاسم المشترك بينهما اجتماعهما على جمع المال المستخلص من باطن الأرض بسبب أحوالهم الخاصة وحاجاتهم الملحة إليه فيقول، الدفائن الباقية تحت الثرى ضائعة في بطن الأرض وهي تكون في الأغلب الطبقتين من الناس شديدتي التباين متباعدتين في الطرفيين الأقصيين وهما أهل السلطنة وأهل المسكنة نصفهما على النحو التالي:
أولا المساكين أو الصعالكة، فإنهم تعودوا الاستماحة والتسول واعتمدوها في تحصيل القوت علما منهم بأنها هي رأس المال لا ينقص منه شئ وخاصة مع الالحاف في السؤال والالحاح في الطلب فالشحاذ لا يضع رأس مال غير الشحذة والاستعطاء وكلام التوسل لاستجداء المحسنين فمهما حصل في يومه فهو مربحة لذلك اليوم. فإذا استغنوا بها عن شراء مطعم أو مشرب لأنهم يحصلون على هذه في الغالب بطريقة الاستجداء أيضا أخذوا في جمع الفلوس والحبات والقراريط ذودا إلى ذود يصرفون الفلوس بالدراهم والدراهم بالدنانير وليس لهم أمين غير الأرض لأنها تؤدي ما تستودع وبأمانتها، جرى المثل فقيل آمن من الأرض فهذا كان بنك الاستيداع لهم آنذاك. ثم يموت أكثرهم إما فجأة من خشونة التدبير وإفراط التقتير والسكتة القلبية وإما من سوء حال لا ييأس فيه مع الحرص من الاقبال والابلال ولا تسمح نفسه فيما شقي في جمعه أن يكون لغيره حتى يتفوه بالايصاء به فيبقى مدفونا في الأعماق قل أو كثر وبذلك مع الأسف عاشوا آنذاك أخساء وماتوا غير ما سوف عليهم ولا على مالهم الرخيص.

(١) في سخرية لاذعة يقارن البيروني بين نفع الماء للأرض والنبت ونفع الجواهر للزينة وفي معاملات الناس التجارية فمهما علا مصدر الماء لابد أن يصل الأرض الواطئة ليسقي البذور وينبت النبات وهكذا يوضح المؤلف أهمية الإصلاح الاجتماعي حتى تحظى طبقات الشعب الكادحة بقسطها من ثراء الدولة لتأمين رفاه العيش وهي نظرة إصلاحية إنسانية تدل على مشاعر المؤلف تجاه طبقات الشعب الفقيرة ووجوب الاهتمام برخائها أكثر من الاهتمام بالزينة والأبهة الملكية الخارجية، والتيجان المرضعة بالجواهر، انظر الوصف في كتاب الخطط لتقي الدين أحمد المقريزي، طبعة بولاق، القاهرة، ١٢٧٠ ه‍، ج ١: ٤١٣ - ٤١٦: والذخائر والتحف، للقاضي الرشيد بن الزبير، تحقيق محمد حميد الله، الكويت، وزارة الإعلام، 1959 م، وجرجي زيدان تاريخ التمدن الإسلامي، ج 5، القاهرة، بدون تاريخ، ص 128 - 134.
(2) يمين الدولة محمود الغرنوي (388 - 421 ه‍ / 998 - 1030 م) غزا الهند وأسقط الدولة السامانية وخطب للخليفة القادر، ولما استولى على مدينة خوارزم قبض على البيروني وأستاذه عبد الصمد فقتل الآخر واستبقى البيروني لمعرفته بعلم النجوم.
(3) لقد هزم السلاجقة مسعوا سنة 431 ه‍ هزيمة منكرة وبعد أن أفلت من الأسر ثار مواليه عليه ونهبوا خزائنه وناصروا أخاه محمدا الذي قتل أنصاره مسعودا في حرب أهلية سنة 432 ه‍.
(٢٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 237 238 239 240 241 242 243 244 245 246 247 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370