مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ٢٥٣
أروم انتصافي من رجال أباعد * ونفسي أعدى لي من الناس أجمعا إذا لم تكن نفس الفتى من صديقه * فلا يحدثن في خلة الدهر مطمعا ولا ينخدع الشريف الرضي بما يصيب النفس من حالات صفاء مؤقتة، لأن نظراته كانت ترتد إلى أغوار النفس البعيدة، مدركا صلتها بالزمن وبالموت.
فعلى هاتين الصلتين انبنت أفكاره عن النفس. وهو يختلف في نظرته إلى الزمن عن نظرة أبي العلاء المعري، فقد كان المعري ذا نظرة وجودية، وعقلية، مشتركة، لا تلقي بالاتهام على الزمن، وإنما على البشر الذين حق على الزمان أن يشكوهم لو استطاع تكلما.
قال المعري:
نبكي ونضحك والقضاء مسلط * ما الدهر أضحكنا ولا أبكانا نشكو الزمان وما أتى بجناية * ولو استطاع تكلما لشكانا وتنطلق نظرات المعري الوجودية والعقلية من إيمانه بقضاء الله الذي لا راد له، وبقدره، فهو يقول:
قضى الله فينا بالذي هو كائن * فتم وضاعت حكمة الحكماء وهل يأبق الإنسان من ملك ربه * فيخرج من أرض له وسماء ويقول:
رددت إلى مليك الحق أمري * فلم أسال متى يقع الكسوف لكم سلم الجهول من المنايا * وعوجل بالحمام الفيلسوف أما الشريف الرضي فقد كان يرى في الزمن خصما لدودا...
لأنه الزمن الذي آل إلى فجيعة أهل البيت وشهد دماءهم المتناثرة على أرض كرب وبلاء، وهو الزمن الذي شهد سجن ونفي أبيه، ومصادرة أملاكه، وهو الزمن الذي يسوس فيه الأمور العلوج والسفهاء، فيما يتعرض فيه أهل الرئاسة الحقيقية إلى المحن والمصائد.
ورغم أن الزمن مزدوج تارة، كما يقول:
كل شئ من الزمان طريف * والليالي مغانم وحتوف إلا أن لعبة الزمن ثابتة:
عادة للزمان في كل يوم * يتناءى خل وتبكي طلول فالليالي عون عليك مع البين * كما ساعد الذوابل طول وهو في هذه اللعبة مغترب كبير مهدور الطموحات، كثير الشقاء، شديد التحسس بالماضي، بذهاب أقوام، وبحتمية ذهاب آخرين. وهو يرى الدهر وسط الاغتراب، فهو لم ينصره يوما ما، بل أحاطه بالخذلان، فقال:
فما لي طول الدهر أمشي كأنني * لفضلي في هذا الزمان غريب إذا قلت علقت كفي بصاحب * تعود عواد بيننا وخطوب ويقول:
يقولون نم في هدنة الدهر آمنا * فقلت ومن لي أن يهادنني الدهر هل الحرب إلا ما ترون نقيصة * من العمر أو عدم من المال أو عسر فلا صلح حتى لا يكون لواجد * ثراء ولا يبقى على وافر وفر ويستجيب الشاعر أحيانا إلى دعوة العقلاء الداعين إلى مسايرة الدنيا، ولكنه يرى أن الدنيا، مهما دخل في مداراتها، فإنها مخادعة، حتى في زخرفها العلني، ومتاعها اللذيذ، وهو يشدد على عدم الانخداع بها ف‍:
هيهات يا دنيا وبرقك صادق * أرجو فكيف إذا وبرقك كاذب ومهما أوتي من قوة لارغام نفسه على مسالمة تصاريف الزمان، فان النجاحات لم تكن بمستوى المأمول، بل دون ذلك بكثير.
وكثيرا ما حمل شعره ردا على نفسه، وهو في مونولوج الحوار الداخلي، وتذكير نفسه بضرورة توفر الناصر والمعين، فيما لا يجني من محاربة الزمان شيئا، لأنه في تلك المحاربة يبقى قليل الناصر، فيقول:
سالم تصاريف الزمان فمن يرم * حرب الزمان يعد قليل الناصر كذلك حمل شعره ردودا على الذين قالوا له بضرورة مماشاة الدهر، لخصها قوله:
يقولون ماش الدهر من حيث ما مشى * فكيف بماش يستقيم وأظلع وما واثق بالدهر إلا كراقد * على فضل ثوب الظل والظل يسرع وقالوا تعلل إنما العيش نومة * يقض ويمضي طارق الهم أجمع ولو كان نوما ساكنا لحمدته * ولكنه نوم مروع مفزع إن الوطيس الحامي بينه وبين الدهر، قد عززه سوء الحظ الذي حالفه، مثلما حالف ذوي الفضل الذين أزرت بهم الدنيا. ولم يستطع الشاعر أن يتوقف عن مهاجمة سوء الحظ ونكد الدنيا، محملا الدنيا، نفسها مسؤولية سوء الحظ الذي انتظمه الزمان له ولأسرته خرزة، خرزة، حتى صار تراثا مأساويا ضخما، قال الشاعر:
ومن عجب صدود الحظ عنا * إلى المتعممين على الخزايا أسف بمن يطير إلى المعالي * وطار بمن يسف إلى الدنايا ويرن سوء الحظ في شعر الشاعر كثيرا ف‍:
ما الذنب للمزن جازتني مواطره * وإنما الذنب للأرزاق والقسم لكنه يخلص دوما إلى النتيجة المعلومة، إلى عهر الدنيا وابتذالها، وانعدام العدالة فيها:
وخلائق الدنيا خلائق مومس * للمنع آونة وللاعطاء طورا تبادلك الصفاء وتارة * تلقاك تنكرها من البغضاء وتداول الأيام يبلينا كما * يبلي الرشاء تطاوح الأرجاء وترتبط أفكار الشريف الرضي عن الزمن ومأساويته ارتباطا قويا بأفكاره عن الموت.
بل إن الشاعر المرهف الاحساس، والمبدع، والجمالي، يرى في الموت السبب الأول لاغترابه الروحي، وأنه يعمد إلى قهر هذا الاغتراب بالكفاح، والتمرد، والثورة، وصنع الأحداث، والحب، والاستغراق في تفاصيل الحياة السياسية والعاطفية، إلا أنه أي الاغتراب الروحي ثعبان النفس الذي يخرج من الظل مادا رأسه إلى الحياة، لكنه مشير إلى الموت. وليس غريبا على الشعراء أن يتحدثوا عن الموت، لأنهم باحساسهم المتدفق الذي خبروا فيه
(٢٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 248 249 250 251 252 253 254 255 256 257 258 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370