مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ٢٥٥
وتقترن حتمية الموت لدى المتنبي بالشجاعة وضرورة الموقف الحازم الحاسم، فهو يقول:
نحن بنو الموتى فما بالنا * نعاف ما لا بد من شربه تبخل أيدينا بأرواحنا * على زمان هي من كسبه يموت راعي الضأن في جهله * ميتة جالينوس في طبه فلا قضى حاجته طالب * فؤاده يخفق من رعبه ويقول أيضا:
وإذا لم يكن من الموت بد * فمن العجز أن تموت جبانا أما الشريف الرضي فقد أودع فكرة الموت وحكمته في العديد من قصائده منطلقا من عذاب الروح الذي ساقه في دروب الاغتراب الطويل، فاغتراب الروح هو الاغتراب الأكبر، الذي كان الشاعر ينظر من داخله إلى وضعه الشخصي، وحياته، ومماته.
فلقد رأى في سجن الروح في جسده السجن الذي تتضاءل دونه العذابات الأخرى. فقال الشريف الرضي:
كل حبس يهون عند الليالي * بعد حبس الأرواح في الأجساد وهو بيت شعر من قصيدة جاء فيها:
كل حي يغالط العيش بالدهر * وكل تعدو عليه العوادي لو رجعنا إلى العقول يقينا * لرأينا الممات في الميلاد كيف لا يطلب الحمام عليل * حكم الدهر فيه رأي المعاد ويسمو الرضي في ذكر الموت، وفي وعظ الناس، والتذكر بالقيم الإنسانية المجيدة الحرية، والشجاعة، ورفض الذل، الخ، ويأخذ الرثاء عنده مهمة توجيه العزاء بواسطة الحكمة.
فقال يرثي بنت صديق له:
عجزنا عن مراغمة الحمام * وداء الموت مغرى بالأنام وما جزع الجزوع وإن تناهى * بمنتصف من الداء العقام وأين نحور عن طرق المنايا * وفي أيدي الردى طرف الزمام هي الأيام تأكل كل حي * وتعصف بالكرام وباللئام وكل مفارق للعيش يلقى * كما لقي الرضيع من الفطام وكم ليد النوائب من صريع * بداء السيف أو داء السقام وما يغتر بالدنيا لبيب * يفر من الحياة إلى الحمام تنافر ثم ترجع بعد وهن * رجوع القوس ترمح بالسهام خطوب لا أجم لها جوادي * وعزم لا أحط له لثامي رأيت الموت يبلغ كل نفس * على بعد المسافة والمرام سواء إن شددت له حزيمي * زماعا أو حللت له حزامي عزاءك ما استطعت فكل حزن * يؤول به الغلو إلى الآثام وعمر المرء ينقص كل يوم * ولا عمر يقر على التمام وتختلف فلسفة الشريف الرضي في الموت، عن فلسفة أبي العلاء المعري، وذلك في قضية رئيسية وهي أن الشريف الرضي صاحب رسالة، وكانت الرسالة لا تمثل طموحه فقط، بل وتمثل طموح نسبة كبيرة من الموالين والأشياع. كان قائدا له أتباع أوفياء رغم قلتهم.
ومن موقعه ذاك، كانت رؤيته للموت مليئة بالأفكار الايجابية التي كانت تعبر أفضل تعبير عن الموقف في حياة الشريف الرضي.
في حين كانت رؤية أبي العلاء المعري للموت تشاؤمية، بالغة التشاؤم، كما نرى في هذه المقتطفات من شعره:
أنا صائم طول الحياة وإنما * فطري الحمام ويوم ذاك أعيد و:
نصحتك فاعمل له دائما * وإن جاء موت فقل مرحبا و:
ما أوسع الموت يستريح به * الجسم المعنى ويخفت اللجب و:
يدل على فضل الممات وكونه * إراحة جسم أن مسلكه صعب و:
إذا غدوت ببطن الأرض مضطجعا * فثم أفقد أوصابي وأمراضي و:
الموت جنس ما تميز واحد * كتل الجسوم إلى التراب تنسب وترتفع نزعة التشاؤم بقوله:
يحطمنا ريب الزمان كأننا * زجاج ولكن لا يعاد له سبك وإذا كانت القضية التي رفع لواءها الشريف وهي قضية سياسية وأيديولوجية وأخلاقية، هي التي عصمته من الوقوع في تشاؤمية مفرطة، فإنها لم تفلح من جانب آخر في إخفاء الحزن العتيد، حزن الشريف.
وتشهد بكائيات ورثائيات الشريف الرضي على مدى تغلغل الحزن في أعماقه، وكذلك مدى تجاوبه مع الحزانى والمنكوبين.
ويذكر د. زكي مبارك أن الرضي كان يجد من نوائبه الوجدانية ينابيع للحزن لا تنضب ولا تغيض وعن بكائه يقول: وما كان الشريف يبكي أحبابه مرة واحدة ثم يلوذ بالصمت. لا، وإنما كان يصل أحبابه بالذكرى والحنين فلا يفقد منهم غير الوجود الملموس. فطريق الحج على طوله في تلك العهود كان يمثل للشريف دائما أمما كثيرة من عوالم الأحياء والأموات. ولعل ظهور الخيل لم تعرف فتى أقوى شاعرية من ذلك الفتى البكاء. والفرح والترح يفيضان من ينبوع واحد لو تعلمون.
من ناحية سيكولوجية إن البكائين الأصلاء هم غالبا من الذين تجمعت في نفوسهم شمائل جمة هي شدة الحب، وشدة الصدق، وقوة رهافة الاحساس.
ومن المظاهر السلبية للثقافات الشائعة في عصور الاستبداد والتحجر، أنها صورت البكاء تعبيرا عن الضعف البشري، والحال أنه تعبير عن عاطفة بشرية حقيقية لا يستطيع كبتها إلا أكثر الناس قساوة وتجبرا.
ومن المعروف أن المصلحين الكبار ذوي القلوب الإنسانية العامرة بحب الناس، وبالحكمة، هم أكثر الناس بكاء، وهم على ما هم عليه من شجاعة وبسالة ويقين.
(٢٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 250 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370