مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ٢٤٧
الشعر بالايمان، والتي يمكن إدراك مدى صدق الشاعر، وجديته، أو حقيقيته بتعبير أدق.
وفي واقع الأمر أن العودة إلى المنطلق القرآني ضرورية تماما، وخاصة بالنسبة إلى شاعر هو الشريف الرضي، المسلم أولا، ومن سلالة النبي الكريم ثانيا إضافة إلى ذلك، أن المنطلق القرآني يقدم تصورا شاملا عن اغتراب الشاعر ومعاناته العجيبة، التي لا حل لها إلا في الايمان، والالتزام، والنظر بعين الحق.
فحيث يرتبط الشاعر بأسباب الحياة والمعيشة والعلاقات الاجتماعية، وهي أسباب مادية فإنه، شان أي إنسان آخر، يخضع لقوانين الحياة، ومتطلبات العيش، والضرورات الاجتماعية، وحيث ينتمي الشاعر إلى الشعر فإنه يحلق في فضاءات الأخيلة والرؤى بعيدا عن القوانين والعلل المادية للحياة.
وما من ضرورة، في أن يؤدي ذلك التناقض بين أسباب الحياة ودواعي الشعر وسياحاته إلى الازدواجية، ما دام الشاعر متمسكا بيقينه الفكري، وهداه الروحي، إلا أن من المؤكد أن اغتراب الشاعر هو حقيقة كل شاعر بالنهاية.
إن مسار القدمين شئ، وهوى رأس الشاعر شئ آخر.
فهوى رأس الشاعر هو الذي يستصفي واقع الحياة على النحو الذي يتخيله. فهو يعيد رسم العالم بصورة شفافة، متنبئا بالمستقبل، أو حالما بالجديد، وذلك بالتحديد هو ميدان تعريفه، ولقبه، وشهرته.
إثر ذلك، يبدو من الصعب رد الشاعر إلى الواقع المادي، بكل متشابكاته الأرضية التي لا تفسح المجال أمام الأخيلة والأحلام، إلا من خلال برزخ واحد، هو برزخ القضية التي يؤمن بها إن كان مؤمنا.
وفيما عدا القضية التي ينتسب إليها الشاعر، ويؤمن بها، فان هواه هو الذي يقوده في عشرات الطرق، وشيطان شعره أقوى من عقله.
وقد انتبه أفلاطون إلى قداسة الشعر لدى الشاعر الحقيقي، فالشاعر كائن مقدس، مثير للاعجاب، يخلب الألباب، إلا أنه لا مكان له في جمهورية أفلاطون، ولا بد من إرساله إلى دولة أخرى مكرما، معززا.
ويذكر أفلاطون ذلك قائلا في المحاورات:... الأمر الذي تختص به دولتنا أن الإسكافي فيها إسكافي وليس ملاحا وإسكافيا في الوقت نفسه، والفلاح فلاح وليس قاضيا وفلاحا في الوقت نفسه، ورجل الحرب رجل حرب، وليس تاجرا ورجل حرب في الوقت نفسه. وذلك هو شان الجميع.
قال: هذا صحيح!.
يبدو إذن أنه إذا مثل في دولتنا رجل بارع في اتخاذ جميع القوالب، وتقليد جميع المظاهر لينتج قصائده وينشدها للجمهور، فلنا أن نثني عليه كما نفعل مع كائن مقدس، مثير للاعجاب، يخلب الألباب، ولكنا نقول له: ليس في دولتنا من يشبهه، ولا يمكن أن يكون فيها. ثم نرسله إلى دولة أخرى، بعد أن ننثر العطور على رأسه ونضفر له الأكاليل....
لكن أفلاطون وهو يقصي الشاعر عن جمهوريته، يبعد في الوقت ذاته أنصاره، فالشعراء في حالات الوجد الشعري والانخطاف، هم أقرب الناس إلى عالم المثل، وإلى المثالية الأفلاطونية. إلا أن خشيته من الشعراء ليست فلسفية بالدرجة الأولى، بل هي خشية تتصل بتنظيم المدينة الأفلاطونية، التي تحتاج إلى تلاحم العقول المفكرة مع الأيدي العاملة والمحاربة.
ورغم أن الشاعر يغتني من الحياة، وتتعمق تجربته في الصراع السياسي والاجتماعي والحياتي بعامة، إلا أن عالمه ليس العالم المادي للناس الآخرين، عندما يستولي عليه الشعر. بعبارة ثانية إن عالم الرؤى، والأخيلة، والأحلام، والتأملات، هو غير العالم الواقعي المعاش.
وفي العلاقة بين العالمين: المادي والرؤوي، يبدأ اغتراب الشاعر الذي لا يستطيع الشاعر ذاته التحكم بحدوده، مهما نضجت تجربته الشعرية، ومهما امتدت به خبرة الزمن. لأن أخيلة الشاعر الفتية، والمتجددة لا تعترف بالزمن. وبطبيعة الحال إن الاغتراب الشعري والحياتي للشاعر يعود إلى عوامل ذاتية وموضوعية، وعوامل روحية ومادية متداخلة، كما أن قهر الاغتراب، كإمكانية، يرتبط أيضا بسلسلة من العوامل الذاتية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
ويمكن إجمال عوامل الاغتراب في عاملين متميزين:
الأول: الاغتراب الناجم عن طبيعة الشعر، لأن كل شعر هو تدفقات صورية، لا محدودة، وتخليقات شعورية ولا شعورية تأتي في لحظة غياب الشاعر عن واقعه الحسي.
فكل شعر إذن نوع من العلو المغترب في وقت الخلق الشعري.
أما العامل الثاني فهو يوجد جميع الظروف المادية والأسباب الشخصية والعامة المؤدية إلى الغربة والمعاناة الدائمة، وبلا شك، إن هذه الظروف والأسباب تلعب دورا كبيرا في تغذية مضامين الشعر، وتحديد اتجاه الشعر، أو تغييره وتتداخل العوامل تداخلا معقدا، إلى الحد الذي تصبح فيه عملية فرز الأسباب الرئيسية عن الثانوية في تحديد نوع المؤثرات المغربة من أشق العمليات التحليلية. لأن نفس الشاعر المرهفة، والشديدة الحساسية، تكبر فيها الانفعالات أو تصغر، خارج إمكانات القياس الاعتيادية. فاستجابات الشاعر، وردود فعله، ليست بالأمر الذي يسهل تعيين حدوده.
لذلك يمكن القول إن ثمة عوامل صغيرة جدا، أو غير معروفة، أو لا شعورية غير معروفة حتى من قبل الشاعر نفسه قد تكون محرضا فعالا في تقرير اختيارات الشاعر، وانتهاجاته السريعة أو طويلة الأمد.
ومن الثابت أن الأسباب اللاشعورية تسهم إسهاما كبيرا في تكوين جانب كبير من جوانب العالم الشعري، سواء أكان ذلك في المضمون أو في الشكل.
ومع أن الشعر يأتي من الشعور، إلا أن اللاشعور يتعهد بصياغة أهم ما في الشعر، إذا ما فهمنا الشعر بمعناه الحقيقي كشعرا.
والشاعر الرضي أنموذج الشاعر المبدع الذي سقى زرعه بالاغتراب العميق، وبعيد الغور، والمتجذر في النفس، وفي الزمان، وفي المكان، وتبرز الغربة في شعره عبر مئات الصور الشعرية الحزينة، والرثائية، والبكائية، مثلما هي بارزة في حياته التي تقسمتها التعاسات.
(٢٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 242 243 244 245 246 247 248 249 250 251 252 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370