مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ٢٣٦
إلى الشبكية فالعصب البصري فإلى الدماغ للحصول على الرؤية الكاملة.
وأما السمع فمحسوسه الأصوات، والهواء حاملها إليه، والشم محسوسه الروائح، والهواء يوصل حواملها إلى الخياشيم إذا انفصلت من المشموم كانفصال البخار من الماء باختلاط أجزائه المتبددة في الهواء.
والذوق محسوسه الطعوم والرطوبة تحملها وتوصلها إلى الذائق وتولجها في خلله. فان آلاته من اللسان والحنك واللهوات متى كانت يابسة لم تحس بشئ من الطعوم وهذه الحواس الأربع متفرقة في البدن مختصة بأماكن لها لا تعدوها (1). ونستطيع في عصرنا الحاضر أن نشير لتلك الأماكن المعينة التي هي المراكز الأساسية لهذه الحواس في الدماغ وخلافه.
والبيروني من ثم يتطرق إلى الحاسة الخامسة والأخيرة والتي تتميز عن الأربع السابقة فيقول: وأما خامسها ألا وهي حاسة اللمس فإنها بعكس الأربع الأخرى عمت جميع البدن في أعضائه وفي آلات سائر حواسه ولم تنفرد بها دونها. وأول ما نلاقي من ذلك محسوساته بواسطة الكيفيات التي هي في ظاهر البدن ولهذا كان الجلد بحس اللمس أولى وإليه أسبق ثم ما وراءه أولا فأولا وطبقة طبقة بحسب اللين واللطف إلى أن يبلغ الأغلظ الأكثف من دعائم البدن فيزول به حس اللمس عند العظام. فواضح برأي المؤلف إذا أن حاسة اللمس أقوى ما تكون في سطح الجلد ثم بعد ذلك تضعف تدريجيا اتجاها إلى العمق حتى وصول العظام حيث حاسة اللمس تكاد تكون معدومة (2).
ترويحة 2: ينتقل البيروني هنا للحديث حول تفوق العنصر البشري على سائر المخلوقات لأن الله منحه شيئا آخر بالإضافة إلى الحواس الحيوانية الخمس وهي بما شرف به من قوة العقل الذي تسلط به على المخلوقات وقدر على سياسة الأرض وتعميرها وتفهم أسرار الكون وتدبيره أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون سورة يس 70 72.
ولولا هذا الاحسان الإلهي لما استطاع الإنسان مقاومة الحيوانات وهو بالنسبة لها في القوة الجسمانية أضعف من الكثير منها ولا يملك ما تملكه من آلات الدفاع والنزاع. والبيروني هنا أيضا يقتبس ما جاء في سورة الزخرف: 12 سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين. فنعمة العقل والتمييز للتسلط على سائر المخلوقات ما هي إلا إكرام سماوي والتي يأمل المرء من خلالها خير الجزاء بعد المنية. ويضيف المؤلف قوله: إذ الرغائب بالمتاعب ونيل البر بالانفاق من الحبائب إذ لا بد من احتمال قرص النحل حتى يجتنى العسل وليكن العطاء مما يختزنه الإنسان لعمل الخير والاحسان للآخرين أجرا واحتسابا.
ويضيف المؤلف وهنا أيضا حول أهمية ذكر حاستي السمع والبصر حيث جعلتا لهما مراقي من المحسوسات إلى المعقولات. أما البصر فللاعتبار بما يشاهد آثار الحكمة في المخلوقات والاستدلال على عظمة الصانع من المصنوعات ويستشهد بسورة فصلت: 52 سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق (3). هذا ما يختص في أمر البصر وأما السمع فليسمع به كلام الله بأوامره ونواهيه ويعتصم فيها بحبله فيصل إلى جواره ويستشهد بقول أعشى بني أبي ربيعة إذ يقول:
كان فؤادي بين جنبي عالم * بما أبصرت عيني وما سمعت أذني فالبيروني إذا يؤكد بان هناك مصدرا أكيدا للحصول على العلم ألا وهو هاتان الحاستان، البصر والسمع ويضيف إليهما الفؤاد وليس الدماغ مشيرا إلى آية من سورة الإسراء: 104 إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا. موضحا بأنه من فضلة القلب يتكلم اللسان مقتبسا قول أبي تمام:
ومما قالت الحكماء طرا * لسان المرء من خدم الفؤاد لأن السمع والبصر حسب رأي البيروني وبأسلوبه البليغ الرفيع يعتبرهما آلتا الرقيب بهما يكتشف المرء نفسه وبيئته ويرى ما هو خفي عنه غير ظاهر له ولا يعرف أبدا حق قدرهما إلا عند فقدهما لكل ما يخصهما في الحياة من متعة وسلوى وجمال وأنس.
أما الحواس الأخرى فإنها برأي المؤلف أليق بالبدن منها بالنفس من مذاق وتحسس واستنشاق ما حولها. وهي أقرب إلى الحيوانية الجسدية منها إلى الإنسانية الفضلى بالرغم من أنها مبدئيا تتطور وترقى وتتهذب من منطلق أوضاع الإنسان الفكرية وأحلامه وتفاعله واستنباطاته حتى تبلغ بهذه المشاعر والأحاسيس إلى أقصى غايتها البشرية النافعة (4).
ترويحة 3: هنا يتكلم البيروني عن الاستئناس كنتيجة إلى التجانس مقتبسا المثل القائل إن الشكل إلى الشكل ينزع والطير مع ألافها تقع أو كالقول الشائع في يومنا هذا إن الطيور على أشكالها تقع. والمؤلف مثلا يشبه كيف أن الأخرس ينجذب ويستأنس بالأخرس نظيره يخاطبه بالإشارات التي يفهمها كل منهما أو بالايماء بالأعضاء مقتبسا سورة الروم: 20 ومن

(١) يوضح البيروني كمعاصره ابن الهيثم أن البصر يحدث بضوء ترسله الأجسام في الهواء إلى العين فترى الأشكال والهيئات وكيف أن الهواء أيضا يحمل الأصوات إلى الآذان وأن الهواء يحمل كذلك حوامل الروائح ويوصلها إلى الأنف حيث تنفصل مثل انفصال البخار عن الماء الغالي. وما أصدق قوله إن الرطوبة من لعاب الفهم هي التي توصل طعم ما نأكل أو نشرب لحاسة الذوق من مسام في فجوات الفم واللسان واللهاة وإنه بدون هذه الرطوبة لا تحس الطعوم. وجدير بالذكر أن المؤلف يشير إلى مراكز لهذه الحواس وإن تفرقت مواضعها في البدن ويستنتج أنه كان يشير إلى مراكز في الدماغ لبعض الحواس كالبصر والسمع. انظر عبد اللطيف البغدادي، مقالتان في الحواس، تحقيق غليونجي، ١٩٧٢، ص ٧٧ - ٨٨.
(٢) في الجواهر طبعة ١٩٣٦ م ص ٤، يؤكد البيروني بأن العظم (وليس الطعام كما في النص خطأ) لا حس لها في حين يوجد حس في الأسنان بسبب وجود عروق دموية فيها وأن الجلد أكثر الأعضاء حسا وتعرضا للإحساس. أبو بكر الرازي، الحاوي، مطبعة العثمانية، حيدر آباد - الهند، (١٩٥٥ م) ص ٣ - ٤.
(٣) يقتبس المؤلف أيات من القرآن الكريم حول إدراك عظمة الخالق من مصنوعاته، وهذا يتفق مع سفر المزامير في الآية 19: 1 " السماوات تحدث بمجد الله والفلك يخبر بعمل يديه " وكذا رسالة رومية 1: 2 " لأن أمور الله غير المنظورة ترى منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته " انظر كمال اليازجي معالم الفكر العربي في العصر الوسيط، طبعة رابعة منقحة، بيروت، 1966 ص، 322 - 330.
(4) تدل هذه المناقشات على إنسانية البيروني وسمو نفسه، فحواس الشم والذوق واللمس برأيه تخدم نمو الجسد ولذاته ورغائبه لذا بالإمكان السمو بها إلى درجات عالية ومثالية بواسطة ضبط النفس وقمع رغبات الجسد وبالتفكير بالأمور الجليلة الطاهرة والعيشة النقية، وكان أبو بكر الرازي في كتابه الطب الروحاني ينزع هذه النزعة ذاتها، حقق الكتاب وله ترجمة بالإنكليزية أيضا عام 1950 م.
(٢٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 231 232 233 234 235 236 237 238 239 240 241 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370