تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ٣٧٥
" قال أوسطهم " أي أعدلهم طريقا وذلك أنه ذكرهم بالحق وإن تبعهم في العمل وقيل:
المراد أوسطهم سنا وليس بشئ " ألم أقل لكم " وقد كان قال لهم ذلك وإنما لم يذكر قبل في القصة إيجازا بالتعويل على ذكره ههنا.
" لولا تسبحون " المراد بتسبيحهم له تعالى تنزيههم له من الشركاء حيث اعتمدوا على أنفسهم وعلى سائر الأسباب الظاهرية فأقسموا ليصر منها مصبحين ولم يستثنوا لله مشية فعزلوه تعالى عن السببية والتأثير ونسبوا التأثير إلى أنفسهم وسائر الأسباب الظاهرية، وهو إثبات للشريك، ولو قالوا: لنصرمنها مصبحين إلا أن يشاء الله كان معنى ذلك نفي الشركاء وأنهم إن لم يصرموا كان لمشية من الله وإن صرموا كان ذلك بإذن من الله فلله الامر وحده لا شريك له.
وقيل: المراد بتسبيحهم لله ذكر الله تعالى وتوبتهم إليه حيث نووا أن يصرموها ويحرموا المساكين منها، وله وجه على تقدير أن يراد بالاستثناء عزل نصيب من الثمار للمساكين.
قوله تعالى: " قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين " تسبيح منهم لله سبحانه إثر توبيخ أوسطهم لهم، أي ننزه الله تنزيها من الشركاء الذين أثبتناهم فيما حلفنا عليه فهو ربنا الذي يدبر بمشيته أمورنا لأنا كنا ظالمين في إثباتنا الشركاء فهو تسبيح واعتراف بظلمهم على أنفسهم في إثبات الشركاء.
وعلى القول الآخر توبة واعتراف بظلمهم على أنفسهم وعلى المساكين.
قوله تعالى: " فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون " أي يلوم بعضهم بعضا على ما ارتكبوه من الظلم.
قوله تعالى: " قالوا يا ويلنا - إلى قوله - راغبون " الطغيان تجاوز الحد وضمير " منها " للجنة باعتبار ثمارها والمعنى: قالوا يا ويلنا إنا كنا متجاوزين حد العبودية إذ أثبتنا شركاء لربنا ولم نوحده، ونرجو من ربنا أن يبدلنا خيرا من هذه الجنة التي طاف عليها طائف منه لأنا راغبون إليه معرضون عن غيره.
قوله تعالى: " كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون " العذاب مبتدأ مؤخر، وكذلك خبر مقدم أي إنما يكون العذاب على ما وصفناه في قصة أصحاب الجنة وهو أن الانسان يمتحن بالمال والبنين فيطغى مغترا بذلك فيستغني بنفسه وينسى ربه ويشرك بالأسباب الظاهرية وبنفسه ويجترئ على المعصية وهو غافل عما يحيط به من وبال
(٣٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 370 371 372 373 374 375 376 377 378 379 380 ... » »»
الفهرست