تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ٣٧٠
قوله تعالى: " فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون " تقريع على محصل ما تقدم أي فإذا لم تكن مجنونا بل متلبسا بالنبوة ومتخلقا بالخلق ولك عظيم الاجر من ربك فسيظهر أمر دعوتك وينكشف على الابصار والبصائر من المفتون بالجنون أنت أو المكذبون الرامون لك بالجنون.
وقيل: المراد ظهور عاقبة أمر الدعوة له ولهم في الدنيا أو في الآخرة؟ الآية تقبل الحمل على كل منها. ولكل قائل، ولا مانع من الجمع فإن الله تعالى أظهر نبيه عليهم ودينه على دينهم، ورفع ذكره صلى الله عليه وآله وسلم ومحا أثرهم في الدنيا وسيذوقون وبال أمرهم غدا ويعلمون (1) أن الله هو الحق المبين يوم هم (2) على النار يفتنون ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون.
وقوله: " بأيكم المفتون " الباء زائدة للصلة، والمفتون اسم مفعول من الفتنة بمعنى الابتلاء يريد به المبتلى بالجنون وفقدان العقل، والمعنى فستبصر ويبصرون أيكم المفتون المبتلى بالجنون؟ أنت أم هم؟
وقيل: المفتون مصدر على زنة مفعول كمعقول وميسور ومعسور في قولهم: ليس له معقول، وخذ ميسوره، ودع معسوره، والباء في " بأيكم " بمعنى في والمعنى: فستبصر ويبصرون في أي الفريقين الفتنة.
قوله تعالى: " إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين لما أفيد بما تقدم من القول أن هناك ضلالا واهتداء، وأشير إلى أن الرامين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بالجنون هم المفتونون الضالون وسيظهر أمرهم وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مهتد وكان ذلك ببيان من الله سبحانه أكد ذلك بأن الله أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين لان السبيل سبيله وهو أعلم بمن هو في سبيله ومن ليس فيه وإليه أمر الهداية.
قوله تعالى: " فلا تطع المكذبين " تفريع على المحصل من معنى الآيات السابقة وفي المكذبين معنى العهد والمراد بالطاعة مطلق الموافقة عملا أو قولا، والمعنى: فإذا كان هؤلاء المكذبون لك مفتونين ضالين فلا تطعهم.

(٣٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 365 366 367 368 369 370 371 372 373 374 375 ... » »»
الفهرست