تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ٣٥٩
- لجهالتهم وإهمالهم في التدبر في آيات الربوبية وعدم مخافتهم من سخط ربهم - عن تشريف الخطاب فأعرض عن مخاطبتهم فيما يلقى إليهم من المعارف إلى خطاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
قوله تعالى: " أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمان إنه بكل شئ بصير " المراد بكون الطير فوقهم طيرانه في الهواء، وصفيف الطير بسطه جناحه حال الطيران وقبضه قبض جناحه حاله، والجمع في " صافات ويقبضن " لكون المراد بالطير استغراق الجنس.
وقوله: " ما يمسكهن إلا الرحمان " كالجواب لسؤال مقدر كأن سائلا يسأل فيقول:
ما هو المراد بإلفات نظرهم إلى صفيف الطير وقبضه فوقهم؟ فأجيب بقوله: " ما يمسكهن إلا الرحمان ".
وقرار الطير حال الطيران في الهواء من غير سقوط وإن كان مستندا إلى أسباب طبيعية كقرار الانسان على بسيط الأرض والسمك في الماء وسائر الأمور الطبيعية المستندة إلى علل طبيعية تنتهي إليه تعالى لكن لما كان بعض الحوادث غير ظاهر السبب للانسان في بادي النظر سهل له إذا نظر إليه أن ينتقل إلى أن الله سبحانه هو السبب الاعلى الذي ينتهي إليه حدوثه ووجوده، ولذا نبههم الله سبحانه في كلامه بإرجاع نظرهم إليها ودلالتهم على وحدانيته في الربوبية.
وقد ورد في كلامه تعالى شئ كثير من هذا القبيل كامساك السماوات بغير عمد وإمساك الأرض وحفظ السفن على الماء واختلاف الأثمار والألوان والألسنة وغيرها مما كان سببه الطبيعي القريب خفيا في الجملة يسهل للذهن الساذج الانتقال إلى استناده إليه تعالى ثم إذا تنبه لوجود أسبابه القريبة بنوع من المجاهدة الفكرية وجد الحاجة بعينها في أسبابه حتى تنتهي إليه تعالى وأن إلى ربك المنتهى.
قال في الكشاف: " فإن قلت: لم قيل: ويقبضن ولم يقل: وقابضات؟ قلت: لان الأصل في الطيران هو صف الأجنحة لان الطيران في الهواء كالسباحة في الماء والأصل في السباحة هو مد الأطراف وبسطها وأما القبض فطارئ على البسط للاستظهار به على التحرك فجئ بما هو طار غير أصل بلفظ الفعل على معنى أنهن صافات ويكون منهن القبض تارة كما يكون من السابح. انتهى.
وهو مبني على أن تكون الآية هي مجموع قوله: " صافات ويقبضن " وهو الطيران،
(٣٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 354 355 356 357 358 359 360 361 362 363 364 ... » »»
الفهرست