تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ٣٥٤
أنفسهم من الخير فاعترفوا بأن ما أتوا به كان تبعته دخول النار وكان عليهم أن لا يأتوا به، وهذا هو الذنب فقد اعترفوا بذنبهم.
وإنما أفرد الذنب بناء على إرادة معنى المصدر منه وهو في الأصل مصدر.
وقوله: " فسحقا لأصحاب السعير " السحق تفتيت الشئ كما ذكره الراغب وهو دعاء عليهم.
قوله تعالى: " إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير " لما ذكر حال الكفار وما يجازون به على كفرهم قابله بحال المؤمنين بالغيب لتمام التقسيم وذكر من وصفهم الخشية لان المقام مقام الانذار والوعيد.
وعد خشيتهم خشية بالغيب لكون ما آمنوا به محجوبا عنهم تحت حجب الغيب.
قوله تعالى: " وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور " رفع شبهة يمكن أن تختلج في قلوبهم مبنية على الاستبعاد وذلك أنه تعالى ساق الكلام في بيان ربوبيته لكل شئ المستتبعة للبعث والجزاء وذكر ملكه وقدرته المطلقين وخلقه وتدبيره ولم يذكر علمه المحيط بهم وبأحوالهم وأعمالهم وهو مما لا يتم البعث والجزاء بدونه.
وكان من الممكن أن يتوهموا أن الأعمال على كثرتها الخارجة عن الاحصاء لا يتأتى ضبطها وخاصة ما تكنه الصدور منها فإن الانسان يقيس الأشياء بنفسه ويزنها بزنة نفسه وهو غير قادر على إحصاء جزئيات الأعمال التي هي حركات مختلفة متقضية وخاصة أعمال القلوب المستكنة في زواياها.
فدفعه بأن إظهار القول وإخفاءه سواء بالنسبة إليه تعالى فإنه عليم بذات الصدور، والسياق يشهد أن المراد استواء خفايا الأعمال وجلاياها بالنسبة إليه، وإنما ذكر إسرار القول وجهره من حيث ظهور معنى الخفاء والظهور فيه بالجهر والاسرار.
قوله تعالى: " ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير " استفهام إنكاري مأخوذ حجة على علمه تعالى بأعمال الخلق ظاهرها وباطنها وسرها وجهرها وذلك أن أعمال الخلق - ومن جملتها أعمال الانسان الاختيارية - وإن نسبت إلى فواعلها لكن الله سبحانه هو الذي يريدها ويوجدها من طريق اختيار الانسان واقتضاء سائر الأسباب فهو الخالق لأعيان الأشياء والمقدر لها آثارها كيفما كانت والرابط بينها وبين آثارها الموصل لها إلى آثارها، قال تعالى: " الله خالق كل شئ وهو على كل شئ وكيل " الزمر: 62، وقال:
(٣٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 349 350 351 352 353 354 355 356 357 358 359 ... » »»
الفهرست