قوله تعالى: " قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا " إلى آخر الآية حكاية جوابهم لسؤال الخزنة، وفيه تصديق أنهم قد جاءهم نذير فنسبوه إلى الكذب واعتراف.
وقوله: " ما نزل الله من شئ " بيان لتكذيبهم، وكذا قوله: " إن أنتم إلا في ضلال كبير " وقيل: قوله: " إن أنتم " الخ، كلام الملائكة يخاطبون به الكفار بعد جوابهم عن سؤالهم بما أجابوا، وهو بعيد من السياق، وكذا احتمال كونه من كلام الرسل الذين كذبوهم تحكيه الملائكة لأولئك الكفار.
قوله تعالى: " وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير " يطلق السمع ويراد به إدراك الصوت والقول بالجارحة وربما يراد به ما هو الغاية منه عند العقلاء وهو الالتزام بمقتضاه من الفعل والترك، ويطلق العقل على تمييز الخير من الشر والنافع من الضار، وربما يراد به ما هو الغاية منه وهو الالتزام بمقتضاه من طلب الخير والنافع واجتناب الشر والضر، قال تعالى: " لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالانعام بل هم أضل " الأعراف: 179.
وأكثر ما ينتفع بالسمع عامة الناس لقصورهم عن تعقل دقائق الأمور وإدراك حقيقتها والاهتداء إلى مصالحها ومفاسدها وإنما ينتفع بالعقل الخاصة.
فقوله: " لو كنا نسمع أو نعقل " أريد بالسمع استجابة دعوة الرسل والالتزام بمقتضى قولهم وهم النصحاء الامناء، وبالعقل الالتزام بمقتضى ما يدعون إليه من الحق بتعقله والاهتداء العقلي إلى أنه حق ومن الواجب أن يخضع الانسان للحق.
وإنما قدم السمع على العقل لان استعماله من شأن عامة الناس وهم الأكثرون والعقل شأن الخاصة وهم آحاد قليلون.
والمعنى: لو كنا في الدنيا نطيع الرسل في نصائحهم ومواعظهم أو عقلنا حجة الحق ما كنا اليوم في أصحاب السعير وهم مصاحبو النار المخلدون فيها.
وقيل: إنما جمع بين السمع والعقل لان مدار التكليف على أدلة السمع والعقل.
قوله تعالى: " فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير " كانوا إنما قالوا: " لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير " ندامة على ما فرطوا في جنب الله وفوتوا على