تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ٣٧٢
فهذه صفات تسع رذيلة وصف الله بها بعض أعداء الدين ممن كان يدعو النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الطاعة والمداهنة، وهي جماع الرذائل.
وقوله: " عتل بعد ذلك زنيم " معناه أنه بعدما ذكر من مثالبه ورذائله عتل زنيم قيل: وفيه دلالة على أن هاتين الرذيلتين أشد معايبه.
والظاهر أن فيه إشارة إلى أن له خبائث من الصفات لا ينبغي معها أن يطاع في أمر الحق ولو أغمض عن تلك الصفات فإنه فظ خشن الطبع لا أصل له لا ينبغي أن يعبأ بمثله في مجتمع بشري فليطرد ولا يطع في قول ولا يتبع في فعل.
قوله تعالى: " أن كان ذا مال وبنين " الظاهر أنه بتقدير لام التعليل وهو متعلق بفعل محصل من مجموع الصفات الرذيلة المذكورة أي هو يفعل كذا وكذا لان كان ذا مال وبنين فبطر بذلك وكفر بنعمة الله وتلبس بكل رذيلة خبيثة بدل أن يشكر الله على نعمته ويصلح نفسه، فالآية في إفادة الذم والتهكم تجري مجرى قوله: " ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك ".
وقيل: إنه متعلق بقوله السابق " لا تطع "، والمعنى: لا تطعه لكونه ذا مال وبنين أي لا يحملك كونه ذا مال وبنين على طاعته، والمعنى المتقدم أقرب وأوسع.
قيل: ولا يجوز تعلقه بقوله: " قال " في الشرطية التالية لان ما بعد الشرط لا يعمل فيما قبله عند النحاة.
قوله تعالى: " إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين " الأساطير جمع أسطورة وهي القصة الخرافية، والآية تجري مجرى التعليل لقوله السابق: " لا تطع ".
قوله تعالى: " سنسمه على الخرطوم " الوسم والسمة وضع العلامة، والخرطوم الانف، وقيل: إن في إطلاق الخرطوم على أنفه وإنما يطلق في الفيل والخنزير تهكما، وفي الآية وعيد على عداوته الشديدة لله ورسوله وما نزله على رسوله.
والظاهر أن الوسم على الانف أريد به نهاية إذلاله بذلة ظاهرة يعرفه بها كل من رآه فإن الانف مما يظهر فيه العزة والذلة كما يقال: شمخ فلان بأنفه وحمي فلان أنفه وأرغمت أنفه وجدع أنفه.
والظاهر أن الوسم على الخرطوم مما سيقع يوم القيامة لا في الدنيا وإن تكلف بعضهم في توجيه حمله على فضاحته في الدنيا.
(٣٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 367 368 369 370 371 372 373 374 375 376 377 ... » »»
الفهرست