قوله تعالى: " إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة - إلى قوله - كالصريم " البلاء الاختبار وإصابة المصيبة، والصرم قطع الثمار من الأشجار، والاستثناء عزل البعض من حكم الكل وأيضا الاستثناء قول إن شاء الله عند القطع بقول وذلك أن الأصل فيه الاستثناء فالأصل في قولك: أخرج غدا إن شاء الله هو أخرج غدا إلا أن يشاء الله أن لا أخرج، والطائف العذاب الذي يأتي بالليل، والصريم الشجر المقطوع ثمره، وقيل: الليل الأسود، وقيل: الرمل المقطوع من سائر الرمل وهو لا ينبت شيئا ولا يفيد فائدة.
الآيات أعني قوله: " إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة " إلى تمام سبع عشرة آية وعيد لمكذبي النبي صلى الله عليه وآله وسلم الرامين له بالجنون، وفي التشبيه والتنظير دلالة على أن هؤلاء المكذبين معذبون لا محالة والعذاب الواقع عليهم قائم على ساقه، غير أنهم غافلون وسيعلمون، فهم مولعون اليوم بجمع المال وتكثير البنين مستكبرون بها معتمدون عليها وعلى سائر الأسباب الظاهرية التي توافقهم وتشايع أهواءهم من غير أن يشكروا ربهم على هذه النعم ويسلكوا سبيل الحق ويعبدوا ربهم حتى يأتيهم الاجل ويفاجئهم عذاب الآخرة أو عذاب دنيوي من عنده كما فاجأهم يوم بدر فيروا انقطاع الأسباب عنهم وأن المال والبنين سدى لا ينفعهم شيئا كما شاهد نظير ذلك أصحاب الجنة من جنتهم وسيندمون على صنيعهم ويرغبون إلى ربهم ولا يرد ذلك عذاب الله كما ندم أصحاب الجنة وتلاوموا ورغبوا إلى ربهم فلم ينفعهم ذلك شيئا كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون، هذا على تقدير اتصال الآيات بما قبلها ونزولها معها.
وأما على ما رووا أن الآيات نزلت في القحط والسنة الذي أصاب أهل مكة وقريشا إثر دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليهم بقوله: اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف، فالمراد بالبلاء إصابتهم بالقحط وتناظر قصتهم قصة أصحاب الجنة غير أن في انطباق ما في آخر قصتهم من قوله: " فأقبل بعضهم على بعض " الخ، على قصة أهل مكة خفاء.
وكيف كان فالمعنى: " إنا بلوناهم " أصبناهم بالبلية " كما بلونا " وأصبنا بالبلية " أصحاب الجنة " وكانوا قوما من اليمن وجنتهم فيها وسيأتي إن شاء الله قصتهم في البحث الروائي الآتي " إذ " ظرف لبلونا " أقسموا " وحلفوا " ليصرمنها " أي ليقطعن ويقطفن ثمار جنتهم " مصبحين " داخلين في الصباح وكأنهم ائتمروا وتشاوروا ليلا فعزموا على