تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ٣٦٩
قوله تعالى: " وإن لك لاجر غير ممنون " الممنون من المن بمعنى القطع يقال: منه لسير منا إذا قطعه وأضعفه لا من المنة بمعنى تثقيل النعمة قولا.
والمراد بالاجر أجر الرسالة عند الله سبحانه، وفيه تطييب لنفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأن له على تحمل رسالة الله أجرا غير مقطوع وليس يذهب سدى.
وربما أخذ المن بمعنى ذكر المنعم إنعامه على المنعم عليه بحيث يثقل عليه ويكدر عيشه بتقريب أن ما يعطيه الله أجر في مقابل عمله فهو يستحقه عليه تعالى فلا منة عليه وهو غير سديد فإن كل عامل مملوك لله سبحانه بحقيقة معنى الملك بذاته وصفاته وأعماله فما يعطيه العبد من ذلك فهو موهبة وعطية وما يملكه العبد من ذلك فإنما يملكه بتمليك الله وهو المالك لما ملكه من قبل ومن بعد فهو تفضل منه تعالى ولئن سمى ما يعطيه بإزاء العمل أجرا وسمى ما بينه وبين عبده من مبادلة العمل والاجر معاملة فذلك تفضل آخر فلله سبحانه المنة على جميع خلقه والرسول ومن دونه فيه سواء.
قوله تعالى: " وإنك لعلى خلق عظيم " الخلق هو الملكة النفسانية التي تصدر عنها الافعال بسهولة وينقسم إلى الفضيلة وهي الممدوحة كالعفة والشجاعة، والرذيلة وهي المذمومة كالشره والجبن لكنه إذا أطلق فهم منه الخلق الحسن.
قال الراغب: والخلق - بفتح الخاء - والخلق - بضم الخاء - في الأصل واحد كالشرب والشرب والصرم والصرم لكن خص الخلق - بالفتح - بالهيئات والاشكال والصور المدركة بالبصر، وخص الخلق - بالضم - بالقوى والسجايا المدركة بالبصيرة قال تعالى: " وإنك لعلى خلق عظيم " انتهى.
والآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك، وقد أوردنا في آخر الجزء السادس من الكتاب ما روي في جوامع أخلاقه صلى الله عليه وآله وسلم.
ومما تقدم يظهر أن ما قيل: إن المراد بالخلق الدين وهو الاسلام غير مستقيم إلا بالرجوع إلى ما تقدم.
(٣٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 364 365 366 367 368 369 370 371 372 373 374 ... » »»
الفهرست