تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ٣٨٦
قوله تعالى: " فذرني ومن يكذب بهذا الحديث " المراد بهذا الحديث القرآن الكريم وقوله: " فذرني ومن يكذب " الخ، كناية عن أنه يكفيهم وحده وهو غير تاركهم وفيه نوع تسلية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتهديد للمشركين.
قوله تعالى: " سنستدرجهم من حيث لا يعلمون " استئناف فيه بيان كيفية أخذه تعالى لهم وتعذيبه إياهم المفهوم من قوله: " فذرني " الخ.
والاستدراج هو استنزالهم درجة فدرجة حتى يتم لهم الشقاء فيقعوا في ورطة الهلاك وذلك بأن يؤتيهم الله نعمة بعد نعمة وكلما أوتوا نعمة اشتغلوا بها وفرطوا في شكرها وزادوا نسيانا له وابتعدوا عن ذكره.
فالاستدراج إيتاؤهم النعمة بعد النعمة الموجب لنزولهم درجة بعد درجة واقترابهم من ورطة الهلاك، وكونه من حيث لا يعلمون إنما هو لكونه من طريق النعمة التي يحسبونها خيرا وسعادة لا شر فيها ولا شقاء.
قوله تعالى: " وأملي لهم إن كيدي متين " الاملاء الامهال، والكيد ضرب من الاحتيال، والمتين القوي.
والمعنى: وأمهلهم حتى يتوسعوا في نعمنا بالمعاصي كما يشاؤن إن كيدي قوي.
والنكتة في الالتفات الذي في " سنستدرجهم " عن التكلم وحده إلى التكلم مع الغير الدالة على العظمة وأن هناك موكلين على هذه النعم التي تصب عليهم صبا، والالتفات في قوله: " وأملي لهم " عن التكلم مع الغير إلى التكلم وحده لان الاملاء تأخير في الاجل ولم ينسب أمر الاجل في القرآن إلى غير الله سبحانه قال تعالى: " ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده " الانعام: 2.
قوله تعالى: " أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون " المغرم الغرامة، والأثقال تحميل الثقل، والجملة معطوفة على قوله: " أم لهم شركاء " الخ.
والمعنى: أم تسأل هؤلاء المجرمين - الذين يحكمون بتساوي المجرمين والمسلمين يوم القيامة - أجرا على دعوتك فهم من غرامة تحملها عليهم مثقلون فيواجهونك بمثل هذا القول تخلصا من الغرامة دون أن يكون ذلك منهم قولا جديا.
قوله تعالى: " أم عندهم الغيب فهم يكتبون " ظاهر السياق أن يكون المراد بالغيب
(٣٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 381 382 383 384 385 386 387 388 389 390 391 ... » »»
الفهرست