المحرمات من قبيل شرب الخمر وأكل الميتة ونحوهما كلها تحل إذا كان المقام مقام الخوف على النفس، وكذا الواجبات من صلاة أو صوم ونحوهما تسقط بعد معارضة الخوف على النفس لمرض ونحوه. وهذا الاستقراء مع ما علم من طريقة الشرع اهتمامه بحفظ النفس يقضي بارتفاع كل عقوبة وإثم عن فعل حرام أو ترك واجب إذا عارضه الخوف على النفس، وذلك واضح، وهذا معنى قولنا: إن المكره لا إثم عليه.
وأما إذا كان الإكراه سالبا للقدرة على الشئ فلا بحث فيه، لاندارجه حينئذ تحت قبح التكليف بما لا يطاق. ومن هنا ظهر سر عدم التقية في الدماء إذا علم (1) أن سبب التقية إرادة حفظ النفس، وحيث كان المقام مقام إتلاف النفس فلا وجه للتقية، لأن المحذور حاصل، ولا ترجيح لإحدى النفسين في نظر الشارع، فكما يجوز قتل النفس حفظا للأخرى فكذلك يجوز العكس، ولا وجه للترجيح، مضافا إلى أن القتل للأولى محقق، وللثانية محتمل إذ لعل المكره - بالكسر - لا يفعل، فتدبر.
وأما لو لم يكن الإكراه على حد الخوف على النفس فكذلك أيضا في عدم الإثم، للإجماع، ولقوله تعالى: إلا من اكره وقلبه مطمئن بالإيمان (2) وقوله تعالى: ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم (3) وغير ذلك من الآيات، وقوله صلى الله عليه وآله: (رفع عن أمتي تسعة...) وعد منها (ما استكرهوا عليه) (4) والمراد: رفع المؤاخذة، لا رفع الحقيقة، لاستلزامه الكذب.
وبالجملة: فالدليل على كون الإكراه موجبا لرفع العقاب في فعل حرام أو ترك واجب واضح لا سترة فيه. وكفى بأخبار التقية من العامة (5) شاهدة ومؤيدة لذلك.
وأما في الضمانات والغرامات بإتلاف أو جناية أو إثبات يد أو استيفاء منفعة