والذي يقتضيه النظر الصحيح: أنه لا ريب في عموم أدلة الضمان، والشك في كون الأذن العاري عن القيدين موجبا لسقوطه يوجب الرجوع إلى أصالة الضمان، ولم يقم دليل على أن الأذن بهذا المعنى مسقط، لا من إجماع ولا من نص، والأمثلة السابقة على القاعدة. نعم، لو كان الأذن مطلقا - بمعنى: أنه يستفاد من سياقه عدم الضمان وإن لم يصرح به - فلا بحث في السقوط، والأذن المطلق في الحقيقة يرجع إلى التقييد (1) بشاهد الحال أو بقرينة أخرى، ويكون معناه: أنك مأذون في التصرف سواء أتيت بعوضه أم لا.
فحاصل الأقسام أربعة، إذ الأذن الخالي عن القيدين إما مطلق يستفاد منه التعميم، أو مجمل، والأول ملحق بصورة التصريح بعدم الضمان، والثاني ملحق بصورة ذكر الضمان، وذلك واضح، وأنت خبير بأن المثمر في حيثية الضمان إنما هو ما ذكرناه.
نعم، بقي البحث في أن الأذن الصادر من الأسباب المذكورة أي منها يكون مطلقا ويكون مقيدا ويكون مجملا، فنقول: أما الأذن اللفظي فهو يكون مقيدا بأحد الطرفين، ويكون مطلقا، كقوله: (تصرف ما شئت) ويكون مجملا أيضا في بعض الصور.
والأذن بالإشارة كالقول في هذه الصور، وكذا الكتابة. وشاهد الحال تابع للقرينة الحالية ودلالتها، والغالب فيه الإجمال الموجب للضمان وإن رفع التحريم، فتدبر.
هذا كله مع عدم التعارض، وقد يكون تعارض بين الأذن وغيره بأقسامه من الصريح وغيره، ولنذكر من صوره ما تعرضوا له:
الأولى: تعارض الصريح مع الصريح، كما إذا قال: (كل من هو صديقي فهو مأذون في دخول داري) وقال لزيد الصديق: (لا تدخل).
قال المعاصر النراقي: إن كان الاذن يعلم بصداقة زيد فيقدم المنع، للتخصيص.