ملكتك دائما، وذلك واضح، فلو أراد الفسخ بعد مضي سنة - مثلا - وأراد الرجوع إلى أجرة المثل للمنفعة فهو غير مسلط على ذلك، لأنه ملكه هذه المنفعة دائما بحيث لا يقدر على فسخه، فتدبر.
وبتحرير آخر: أن معنى الصيغ بإطلاقها إذا صار الدوام، فيصير الدليل الدال على صحة البيع وغيره من العقود دالا على تأثيره كذلك، ولا نحتاج إلى دليل آخر على اللزوم، بل مجرد ما دل على صحة العقود بعد كون معنى العقد والإيقاع بإطلاقهما قصد الأثر الدائم يدل على كونه لازما شرعا، لأن صحته قد ثبت على ما هو عليه، وليس إلا الدوام وعدم قابلية (1) الفسخ، فيصير كذلك شرعا.
الثالث: أنه لو لم يكن في صيغ الإنشاءات دلالة على المعنى المدعى، فنقول:
إن حال المتعاقدين يدل على إرادة اللزوم وعدم إمكان الفسخ.
ولكن يمكن القول هنا بأنه ليس كذلك مطلقا، بل لابد على هذا من تتبع العقود وملاحظتها في العرف، فإن كان الناس بانين في إيقاعه على الدوام فالأصل فيه أن يكون لازما شرعا إلا ما خرج، وإن كانوا غير بانين على الدوام فلا يمكن التمسك بهذا الوجه، فتدبر.
الرابع: عموم قوله تعالى: أوفوا بالعقود (2) فإن ذلك دل على أن كل عقد يجب الوفاء به، والمراد بالوفاء: العمل بمقتضاه، ومقتضى العقد إما تمليك أو نحو ه، ومقتضى لزوم الوفاء البقاء على هذا الأثر وإبقاؤه وجوبا، فلا رخصة في إبطاله، وهو المدعى من اللزوم.
والإشكال الوارد على دلالة الآية من جهة عموم العقود انصرافها إلى المتعارفة (3) وعدمه، واعتبار التوثيق وعدمه، وشمولها للإيقاع وعدمه - ونظائر ذلك - قد عرفت دفعه في العنوانين السابقين. وقد تلخص مما ذكرناه هناك: دلالة الآية على أن كل عقد وكل إيقاع متعارف