مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ٢٧١
هي شرط العشق الصحيح، والوله الذي تقضي الأيام ولا ينقضي.
والشاعر الجمالي، وأي جمالي آخر، شاعرا كان أو غير شاعر، يحمل في داخله معزوفات الكون الجميلة التي يستدل بها على كل جميل. ومن ذلك العلو الذي تتوحد فيه كليات الجمال والجلال والخير، يعاين النظر كل ما هو جميل فيفرد له مكانة الخصوص، وفي وحدة الأفق الجمالي الكوني تتضايف وتتجاور الأشياء الجميلة مثلما تتضايف وتتعايش وتتكامل مويجات وأمواج البحر في الايقاع الأزلي لها في الصخب وفي الهدوء.
لقد أتاحت الرؤية الجمالية الشمولية للشاعر الشريف الرضي استيعاب الجميل بدلالات الجلال خلافا لما حصل لدى الشعراء الغزليين، الحسيين الذين أطنبوا في ذكر المفاتن الجسدية.
إن عين الشريف الرضي، هي عين الجمال التي رأت بروح الجلال، لذلك ما كان له كبير مغنم في الأوصاف الحسية المباشرة، وحسبه أنه كان عفيفا قوي المروءة.
وهو القائل:
ويمنعني العفاف كان بيني * وبين مآربي منه هضابا والقائل أيضا:
أرى برد العفاف أغض حسنا * على رجل من البرد القشيب ومذهب الشريف الرضي في العشق، يرقى بتغرد السمات الشخصية له إلى مستوى غربة واغتراب المحبين الكبار، الذين عصفت بحيواتهم تنهيدة الشوق في كونية سريعة التبديل لأجزائها المعطوبة، أو المقطوعة، أو التي حان أو يحين أجلها.
اغتراب الحب إن الرؤية الشمولية للشريف الرضي في الحب والجمال هي لسان حاله، وصفته الماثلة في طبيعته، وطبعه.
ولمعرفة خصوصية تجربة الشريف الرضي في العشق، ينبغي إحالة العشق إلى الحب وهو الدائرة الكبرى للقلب.
وسبب الاقرار بشمولية الحب على العشق، فذلك لأن العشق مرتبة من مراتب الحب، التي أولها الهوى، ثم العلاقة، ثم الكلف، ثم العشق، ثم الشغف، ثم التتيم، ثم الشوق.
وإذا كانت تلك هي مراتب الحب ودرجته فان الحب يتسع ويتنوع بعدة أنواع، فهناك حب الأهل، وحب الأصدقاء، وحب المرأة، وحب الأشياء، وحب الطبيعة، وهناك الحب الروحي، الخ...
وأحسن عشق العاشقين إذا كانوا محبين، تطهرت نفوسهم من البغضاء، وتسامت بالحنان والمودة والحب.
ويظهر في مجمل شعر الشريف الرضي أنه محب كبير يخفق قلبه بحب الأهل والأصدقاء والناس والأماكن، أي أن حبه للمرأة كان من نور جنس مشع بالحب، ممتلئ بالعاطفة. والبشر في طبائعهم، يتباينون، فبعضهم خلق ألوفا، محبا، والبعض الآخر خلق مبغضا، لئيما، والبعض الثالث موزع بين الاثنين يحب حينا، ويبغض حينا، تسوقه دواعي المصلحة والرغبة فلا يستجيب لغيرها. أي أن عقله وقلبه يخدمان تيار غريزته غير المشذبة.
وكانت نفس الشريف الرضي المتطهرة بالشرف والاستقامة والسخاء، قد ألفت الحب، فلا عجب إن كان ذلك عاملا مهما من عوامل غربته، بل في المقدمة منها. ولا بد من الإشارة إلى عام تغريبي كبير، كان له أثره البالغ في نفس الشاعر الحساسة، وتجربته في الحب، ذلك هو وفاة الأم.
فكما كانت نكبة الشاعر بسجن والده نكبة الحب الأولى، فان نكبته الكبرى حلت بموت أمه كانت بعد سجن أبيه التعويض العاطفي الكبير له.
لقد اهتزت أركان حياته اهتزازا عنيفا، حين فقد محبوبته المقدسة أمه فاطمة بنت الحسين بن أحمد بن الحسن الناصر الأصم التي أسبغت عليه نعم الحب، والرعاية، والحماية، فكانت له خيمة، وسندا، وأي سند!
فكانت أول غربة هي فقدانه لها، وقبل ذلك قال جده زين العابدين: فقد الأحبة غربة!
وتبوح قصائد الرثاء عادة بتلك الغربة بوحا بعيدا، عند موت الأم خاصة، فكانت قصيدة المتنبي في رثاء جدته التي أحبها حبا شديدا، لأنها كانت له أما وأبا، تفجيعا كبيرا، فصاح طعينا، وهو يحن إلى الكاس التي شربت بها، ويهوى لمثواها التراب:
ألا لا أري الأحداث حمدا ولا ذما * فما بطشها جهلا ولا كفها حلما إلى مثل ما كان الفتى مرجع الفتى * يعود كما أبدي ويكري كما أرمى لك الله من مفجوعة بحبيبها * قتيلة شوق غير ملحقها وصما أحن إلى الكاس التي شربت بها * وأهوى لمثواها التراب وما ضما ويقول:
وما انسدت الدنيا علي لضيقها * ولكن طرفا لا أراك به أعمى كذلك كانت رثائية أبي العلاء المعري حينما دهمته مصيبة أمه، في سنة 400 وكان في السابعة والثلاثين من عمره:
دعا الله أما ليت أني أمامها * دعيت ولو أن الهواجر آصال مضت وكأني مرضع وقد ارتقت * بي السن حتى أشكل الفود أشكال وقال أيضا:
مضت وقد اكتهلت فخلت أني * رضيع ما بلغت مدى الفطام كما كان يقول في رسالة له إلى خاله:
وحزني لفقدها كنعيم أهل الجنة، كلما نفد جدد.
فكيف يكون الرثاء، وكيف تكون الغربة، والشريف الرضي تطوح به الفادحة الفدحاء، بموت الأم التي تجسدت فيها كل ضروب المحبة، والعون، والحنان، فكان له في همزيته جئير، يتناوح فيه كل الباكين الذين فقدوا في أنفسهم شيئا لا يسترجع بعد فقد الأم:
أبكيك لو نقع الغليل بكائي * وأقول لو ذهب المقال بدائي وأعوذ بالصبر الجميل تعزيا * لو كان بالصبر الجميل عزائي طورا تكاثرني الدموع وتارة * آوي إلى أكرومتي وحيائي كم عبرة موهتها بأناملي * وسترتها متجملا بردائي
(٢٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 266 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370