مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ٢٦٥
انعدام العهد في أكثرية الناس، منذ البيت الأول، وهو القائل:
لأي حبيب يحسن الرأي والود * وأكثر هذا الناس ليس له عهد ثم:
أكل قريب لي بعيد بوده * وكل صديق بين أضلعه حقد وتصعد عنده حدة التشخيص والإدانة، درجة عالية فيعلن:
الناس حولك غربان على جيف * بله عن المجد إن طاروا وإن وقعوا فما لنا فيهم إن أقبلوا طمع * ولا عليهم إذا ما أدبروا جزع ويرى بنفسه أن الناس هم الداء، وأن الصراع بين العاقر والمعقور، صراع المفترس والفريسة، هو الذي يطغى على ما عداه، فيا لضيعة من يرنو إلى القضية: فقال:
يطيب النفس عن قطعي علائقها، إني أفارق من فارقت معذورا كن في الأنام بلا عين ولا أذن * أو لا فعش أبد الأيام مصدورا غيب الرجال ظنون قبل مبحثه * فما طلابك أن تلقاه موفورا فما نلائم إلا عاد منصدعا * ولا نثقف إلا عاد ماطورا محل البلاد ولا جار تغص به * يضوي الفتى ويكون العام ممطورا والناس أسد تحامي عن فرائسها * إما عقرت وإما كنت معقورا كم وحدة هي خير من مصاحبة * ينسى الجميع ويغدو الفذ مذكورا من كشف * الناس لم يسلم له أحد الناس داء فخل الداء مستورا ولقد كان ما ناله من الناس أسوأ جزاء، وهو الذي جبل على حب الناس، فهو في شجاعته، وكرمه، وكفاحه، وفي مسؤولياته التي تولاها، وصارع، وضحى فيها، لم يكن إلا منافحا عن الناس.
وكان ذلك، من قبله، قضية ومسؤولية وواجبا، وليس مجرد عواطف إيجابية بسيطة، لكن كم هم أولئك الذين يقرون بشجاعة الشجاع، وتضحية المضحي، وجود السخي، وهو يفعل ما يفعل من أجل الناس.
لا شك إن العدد لضئيل، لأن غالبية الناس فيما إذا خيم عليها الجهل، وغشت ضمائرها غشاوات الكذب والتدليس، وأجبنت عن قول الحق، فإنها تسمي الشجاعة تهورا، والكرم تبذيرا وسذاجة، والتضحية خبالا.
ورغم أنها تعلم في قرارة النفس، ما هو الصحيح، إلا أن الجبن الطاغي، الذي لا تعترف به ومتى اعترف إنسان بجنبه؟! يسوع لها اتهام الغريب عنها، فتضيف إلى السهام والرماح التي تتناوشه رماحا جديدة.
فيصبح أكلة السهام، وأكلة المغتاب... فالذي شكا تبذل الشاعر صحا به، والناس الذين أبعد الهوى من أجلهم، فقال:
أنا أكلة المغتاب إن لم أجنها * شعواء يحضرها العقاب الغائب وكأنما فيها الرماح أراقم * وكأنما فيها القسي عقارب قد عز من ضنت يداه بوجهه * إن الذليل من الرجال الطالب إن كان فقر فالقريب مباعد * أو كان مال فالبعيد مقارب وأرى الغني مطاعنا بثرائه * أعدائه والمال قرن غالب يشكو تبذلي الصحاب وعاذر * أن ينبذ الماء المرنق شارب من أجل هذا الناس أبعدت الهوى * ورضيت أن أبقى وما لي صاحب وأي الليالي إن غدرن فإنه * ما سن أحباب لنا وحبائب غربة الأصدقاء ثانيا ويرتفع مستوى الغربة الاجتماعية في نفس الشريف الرضي، إلى حالة اغترابية أكثر مأساوية، من تلك التي لفها به خذلان أكثر الناس، وهي خذلان الأصدقاء، وهي الحالة الثانية من الاغتراب الخانق الذي يسد أبواب التضامن الأخوي والروحي بوجهه.
إن الصديق هو قوة المساندة في السراء والضراء، في الفرح والترح، وهو الحبيب الذي تشترك نبضات قلبه مع نبضات قلب صديقه، والغريب من لم يكن له حبيب كما قال علي بن أبي طالب ع، وأناس مثل الشريف الرضي الذي يتسمون بالسخاء والسماحة وطهارة النفس، يجدون أصدقاء كثرا، وهم يحمون الصداقة، ويسهرون عليها، لكنهم سيئو الحظ، لأن أصدقاءهم يضيعون صداقتهم. وليس أكثر عذابا للنفس الشريفة الحساسة من هجر الصديق، أو ابتعاده، أو نسيانه حق الصداقة، وحق الصداقة هو التلازم، والتذاكر بالمودة، والتشارك أمام تصاريف الزمان.
والإنسان مثل طيف عابر، وكذلك زمنه، فلا غنى له والحالة هذه عن معاضدة الصديق، الذي يحفظه في غيبته، ونكبته، ووفاته.
وحق، ما قاله علي بن أبي طالب: ع أعجز الناس من عجز عن اكتساب الاخوان، وأعجز منه من ضيع من ظفر به منهم. لكن الشريف الرضي وهو الأشجع، كسب الاخوان، فخسروه، وكم ضيع أناس خيرة الناس، وأفضل الصداقات لأسباب تافهة، لا يعدو بعضها الغرور، أو لسماع القال والقيل، أو قبول مصاحبة أهل السوء أو سوى ذلك، لكن الذين هجروا الشريف الرضي، كانوا يتهيبون من علو همته، وعظمة مسعاه، ولا يحلق مع الباز إلا الباز، فأشفقوا على أنفسهم من طول الرحلة، وأشفق عليهم الرضي أيضا، لكنه ظل يشكو غدر الخلان والأصدقاء، وهذا أسوأ ما يناله امرؤ في حياته.
ويحار الإنسان في تفسير ظاهرة تعرض الشرفاء لغدر وخيانة الأصدقاء، هل هو سوء الحظ أم البلاء؟ وهو كما ذكرنا بدرجات، وبأشكال؟ وهل الشريف يغري الصديق بخيانته، بسبب شرف طبعه، ونبل نفسيته، وترفعه عن العقاب؟ أم أن الحسد يحرك ذيله في نفس الصديق؟ الذي يبر بنفسه علو مكانة صديقه الشريف، فيغار، ويحقد، وينتقم؟
قد تكون الصورة هنا أكثر وضوحا. فالصديق يرى صفات صاحبه النبيلة، مثلما في مرآة، يرى تفوقه، وجدارته، ونفاسة معدنه، وهو يرى نفسه أيضا، يرى عجزه عن اللحاق بتلك السمات السامية، ولأن نوازع الشر موجودة في الصدر، فإنه بدلا من أن يعتبر تلك السمات قدوة يهتدي بها، فان نوازع الضحالة تخبط خبطتها، فتخلق الحسد والغيرة، والكراهية المتدرجة، ثم الانتقام اللئيم.
وأبديا، ظلت خيانات الأصدقاء مروعة، ومهينة وإنسان مثل الشريف الرضي يعرف الناس، ويعرف اختياراته جيدا، لأنه القائل:
تشف خلال المرء لي قبل نطقه * وقبل سؤالي عنه في القوم ما اسمه
(٢٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 260 261 262 263 264 265 266 267 268 269 270 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370