مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ٢٦٢
إن تمض فالمجد المرجب خالد * أو تفن فالكلم العظام بواقي حذور الاغتراب ارتكز الاغتراب السياسي للشريف الرضي على أصل قومي إسلامي للاغتراب فهو من حيث الهوية القومية عربي الأصل والنشأة، وكذلك عربي النزعة والاتجاه، وهو ابن أرومة عربية قحة، حملت لواء المجد العربي. أي أن عروبة الشريف ليست انتماء قوميا تقليديا، بل هو انتماء إسلامي ثوري، متجذر في أرضية عربية متينة، وفي تاريخ عربي إسلامي مجيد وعريق.
وهو في أغلب شعره الافتخاري كان يبث أفكاره، لا بصورة افتخار شخصي منعزل، وإنما في موقف موحد: فردي وقومي. فهو إذ يفتخر بنفسه وبأهله، فإنما يرمي بكل ثقله التاريخي لصالح أمته، كما أنه في الوقت عينه يذكر مجد العشائر العربية وبطولاتها في معرض الافتخار الذاتي.
فقصائد شعره التي تتضمن أفكاره، ونداءاته، واستطراداته التاريخية، وأمانيه تربط الذاتي والقومي ربطا محكما، وطبيعيا تماما.
فترد أشعاره عن شجاعة قبائل عربية بالقوة الافتخارية نفسها التي يرد فيها ذكر شجاعته، وشجاعة قومه، أو بالاسترسال نفسه. وغالبا ما تنمو القصيدة وهي تنتقل من شجاعة الأهل والقوم إلى شجاعته الشخصية، أو بالعكس، لأن الرابطة بين الذات والأهل والعروبة، هي رابطة موحدة، تشكل ركيزة عضوية واحدة في حياة الشريف الرضي. ويأخذ الافتخار، في هذا المنظور، قيمته الخاصة منزها عن تمجيد الذات المرضي، الذي وقع صرعى فيه، وبه، شعراء تياهون بأنفسهم عجبا، أصابهم مس من جنون العظمة، فأطار صوابهم، وأضلهم، وأفقدهم القضية الجوهرية للانتماء إلى شعوبهم وأوطانهم.
إن روح التحدي التي ترعرعت في جسده، كانت تأخذ من حقه في المسؤولية قوة متنامية، فكان شعره يزداد حماسة وفخرا وشعورا بالرئاسة، فيقول وهو في العشرين تقريبا:
وعن قرب سيشغلني زماني * برعي الناس عن رعي القروم وما لي من لقاء الموت بد * فما لي لا أشد له حزيمي ويقول:
ما أنا للعلياء إن لم يكن * من ولدي ما كان من والدي ولا مشت بي الخيل إن لم أطا * سرير هذا الأغلب الماجد ويلاحظ في البيت الأخير أنه يعرض بالخليفة....
إن حقيقة العربي، في تصورات الشريف الرضي، عميقة المعنى، قوية الدلالة، وراسخة الحضور، مما يمكن الاستنتاج منه، وبسهولة تامة، أن تعامل الشاعر مع هذه الحقيقة، ليس مرحليا أو مرهونا بأزمات شخصية تتصل بالمطامح، وإنما هي ركن جوهري في منظومة أفكاره، كما أنها موجه ومنظم لسلوكه ولكثير من الأفعال التي أقدم عليها، أو كان في نيته الاقدام عليها.
وبالنسبة لكثير من الشعراء قد ترد النزعة العربية الاسلامية بصورة كلمات مفردة، أو أبيات شعر محدودة، لمناسبة معينة، لكنها عند الشريف الرضي ذات أولوية فكرية ومصيرية تكتسح كثيرا من الأحيان الاهتمامات العاطفية الأخرى، لتظل سيدة الموقف في القصيدة.
ويقود التطابق مع القضية إلى إبداعية متقنة، تقوم على وحدة المعنى والمبني. فالصدق الفكري والنفسي يؤدي إلى الصدق الفني، وكل صدق لأكثر جدية يولد صدقا آخر، وهكذا تفتتح الطرق سلسلة الولادات الجديدة، والمتآخية.
وكيف يستطيع الشاعر والفنان عموما ضبط العلاقة بين الموصوف والصفة، إذا لم يكن هو موصوفا بصفة؟!.
وبما لا يقبل الشك، إن التوصل إلى معرفة صفات الأشياء هو من ثمرات الواقعية، أي قدرة الرائي على استنتاج المرئي بمجموع أو ببعض صفاته.
غير أن الوصول إلى التشبيهات والاستعارات يدلل على ما هو أبعد وأهم من الواقعية الالتقاطية التي تأخذ بجماع المنظورات، وتعيد طرحها في الفن والأدب. ذلك لأن التشبيهات تنبثق من الأصالة الحقيقية للشاعر والفنان.
وعلى صعيد السياسة في الشعر والأدب والفن لا يتأتى للسطحيين والانتهازيين، والتوفيقيين، وصيادي الفرص النفعية، أن يقدموا تشبيهات واستعارات رشيقة، أمينة، عذراء، باهرة الاختصار، والصياغة والتدليل. قد يقدرون على تنميق أكاذيب معسولة، لكنهم هيهات، هيهات، أن يستطيعوا التشبيه والاستعارة بنقاوة إشعاعات الشمس الفجرية وهي تعانق الأرض التي أنعمت على الشمس بفضيلة الشروق والغروب، فمنح الناس الجمالين في الفجر والمساء للشمس ونسوا أن فدائية الأرض الدائرة وراء كل ذلك.
تتصل إذن نقاوة التشبيه والاستعارة، بنقاوة القائل وصفاء انتساباته إلى نفسه وإلى مجتمعه، وإلى قضيته.
هكذا يمكن أن نفهم بيت شعر واحد، يساوي أكثر من عشرات المقالات والأشعار، وحتى الدواوين. قاله الشريف الرضي وهو يجسد عروبته الاسلامية، والمضمون الذي يجب أن تكون عليه:
إذا عربي لم يكن مثل سيفه * مضاء على الأعداء أنكره الجد في هذا البيت تضمين أكبر من المطابقة بين العربي والسيف، وهو ليس اختراعا، إنما هو من وحي الفطرة العجيبة، فطرة عربية الشريف الرضي الاسلامية المزكاة بالعرفانية التاريخية والسياسية.
ثمة التصاقات جميلة لو قلنا إن العربي كالسيف، وأجمل منها لو قلنا إن السيف كالعربي، لكن قوله الشريف الرضي: إذا عربي لم يكن مثل سيفه خرجت عن نطاق البلاغة الشعرية، الوصفية، أو الاستعارية، خرجت من المعرفة المتدبرة، ودخلت في عظمة الفطرة النبيلة، التي هي المصدر الأول لكل معرفة منزهة.
لا يحس المتلقي إلا بالاحساس الواحد، وهو يقرأ أو يسمع إنشاد الشريف الرضي، أن العربي والسيف توأمان ولدا في اللحظة الواحدة،
(٢٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 257 258 259 260 261 262 263 264 265 266 267 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370