الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٨٣٥
وهذا كلها أحاديث صحاح الأسانيد لا مطعن فيها، وبهذا يلوح كذب الاخبار المفتعلة بخلافها، لان تلك لا تصح من طريق النقل أصلا، فبطل ظنهم أن أحد جمع القرآن وألفه دون النبي صلى الله عليه وسلم.
ومما يبين بطلان هذا القول ببرهان واضح، أن في بعض المصاحف التي وجه بها عثمان رضي الله عنه إلى الآفاق واوات زائدة على سائرها، وفي بعض المصاحف * (إن الله لهو الغني الحميد) * في سورة الحديد وفي بعضها بنقصان هو.
وأيضا فمن المحال أن يكون عثمان رضي الله عنه أقرأ الخلفاء، وأقدمهم صحبة، وكان يحفظ القرآن كله ظاهرا ويقوم به في ركعة، ويترك قراءته التي أخذها من فم النبي صلى الله عليه وسلم، ويرجع إلى قراءة زيد، وهو صبي من صبيانه، وهذا ما لا يظنه إلا جاهل غبي.
ومنها أن عاصما روى عن زر، وقرأ عليه، لم يقرأ على زيد، ولا على من قرأ على زيد شيئا، إلا أنه قد صح عنه أنه عرض على زيد فلم يخالف ابن مسعود، وهذا ابن عامر قارئ أهل الشام لم يقرأ على زيد شيئا، ولا على من قرأ على زيد، وإنما قرأ على أبي الدرداء، ومن طريق عثمان رضي الله عنهما، وكذلك حمزة لم يأخذ من طريق زيد شيئا.
وقد غلط قوم فسموا الاخذ بما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما اتفق عليه علماء الأمة، تقليدا، وهذا هو فعل أهل السفسطة، والطالبين لتلبيس العلوم وإفسادها وإبطال الحقائق، وإيقاع الحيرة، فلا شئ أعون على ذلك من تخليط الأسماء الواقعة على المعنى ومزجها، حتى يوقعوا على الحق اسم الباطل، لينفروا عنه الناس، ويوقعوا على الباطل اسم الحق، ليوقعوا فيه من أحسن الظن بهم، وليجوزوه عند الناس. كما يحكى عن فساق باعة الدواب أنهم يسمون أواريهم بأسماء البلاد، فإذا عرض الحمار للبيع أقسم بالله: إن البارحة نزل من بلد كذا وكذا، وهو يعني الآري الذي اعتلف فيه ويظن المبتاع أنه من جلب المذكور، فهذا فعل أهل الشر والفسق. وفاعل هذا في الديانة أسوأ حالا وأعظم جرما من فاعله في
(٨٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 830 831 832 833 834 835 836 837 838 839 840 ... » »»
الفهرست