الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٧٩٣
الباب السادس والثلاثون في إبطال التقليد قال أبو محمد علي: علي بن أحمد: علي: اعتقاد المرء قولا من قولين فصاعدا ممن اختلف فيه أهل التمييز المتكلمون في أفانين العلوم، فإنه لا يخلو في اعتقاده ذلك من أحد وجهين: إما أن يكون اعتقده ببرهان صح عنده أو يكون اعتقده بغير برهان صح عنده، فإن كان اعتقده ببرهان صح عنده، يخلو أيضا من أحد وجهين: إما أن يكون اعتقده ببرهان حق صحيح في ذاته، وإما أن يكون اعتقده بشئ يظن أنه برهان وليس ببرهان، لكنه شغب وتمويه موضوع وضعا غير مستقيم. وقد بينا كل برهان حق صحيح في ذاته في كتابنا الموسوم بالتقريب وبينا في كتابنا هذا أن البرهان في الديانة إنما هو نص القرآن، أو نص كلام صحيح النقل مسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أو نتائج مأخوذة من مقدمات صحاح من هذين الوجهين.
وأما القسم الثاني الذي هو شغب يظن أنه برهان وليس برهانا، فمن أنواعه:
القياس والاخذ بالمرسل، والمقطوع، والبلاغ، وما رواه الضعفاء والمنسوخ والمخصص وكل قضية فاسدة قدمت بالوجوه المموهة التي قد بيناها في كتاب التقريب.
وأما ما اعتقده المرء بغير برهان صح عنده، فإنه لا يخلو من أحد وجهين: إما أن يكون اعتقده لشئ استحسنه بهواه، وفي هذا القسم يقع الرأي والاستحسان، ودعوى الالهام، وإما أن يكون اعتقده لان بعض من دون النبي صلى الله عليه وسلم قال، وهذا هو التقليد، وهو مأخوذ من قلدت فلانا الامر، أي جعلته كالقلادة في عنقه، وقد استحى قوم من أهل التقليد من فعلهم فيه، وهم يقرون ببطلان المعنى الذي يقع عليه هذا الاسم، فقالوا: نقلد بل نتبع.
قال أبو محمد: ولم يتخلصوا بهذا التمويه من قبيح فعلهم، لان الحرم إنما هو المعنى، فليسموه بأي اسم شاؤوا، فإنهم ما داموا آخذين بالقول، لان فلانا قاله دون النبي صلى الله عليه وسلم، فهم عاصون لله تعالى، لأنهم اتبعوا من لم يأمرهم الله تعالى باتباعه.
ويكفي من بطلان التقليد أن يقال لمن قلد إنسانا بعينه: ما الفرق بينك وبين من
(٧٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 788 789 790 791 792 793 794 795 796 797 798 ... » »»
الفهرست