الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٧٩٨
واحتج بعضهم بأن قال: روي عن عمر أنه قال: إني لأستحي من الله عز وجل أن أخالف أبي بكر.
قال أبو محمد: وهذا يبطل من خمسة أوجه: أولها: أن هذا حديث مكذوب محذوف، لا يصح منفردا هذا اللفظ كما أوردوه، وإنما جاء بلفظ إذا حقق فهو حجة عليهم، وسنورده عند الفراغ بذكر حججهم، ثم الابتداء بالاحتجاج عليهم في هذا الباب إن شاء الله تعالى.
والثاني: أن خلاف عمر لأبي بكر أشهر من أن يجهله من له أقل علم بالروايات، فمن ذلك خلافه إياه في سبي أهل الردة، سباهم أبو بكر، وبلغ الخلاف عن عمر له أن نقض حكمه في ذلك، وردهن حرائر إلى أهليهن إلا من ولدت لسيدها منهن، ومن جملتهن كانت خولة الحنفية أم محمد بن علي.
وخالفه في قسمة الأرض المفتتحة، فكان أبو بكر يرى قسمتها، وكان عمر يرى إيقافها ولم يقسمها.
وخالفه في المفاضلة أيضا في العطاء، فكان أبو بكر يرى التسوية، وكان عمر يرى المفاضلة وفاضل.
ومن أقرب ذلك ما حدثناه عبد الله بن ربيع، ثنا عمر بن عبد الملك، ثنا محمد ابن بكر، ثنا سليمان بن الأشعث، حدثنا محمد بن داود بن سفيان، وسلمة بن شبيب قالا: ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر قال: قال عمر:
إني إن لا أستخلف فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستخلف، وإن استخلف فإن أبا بكر قد استخلف. قال ابن عمر: فوالله ما هو إلا أن ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر فعلمت أنه لا يعدل برسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا. وأنه غير مستخلف.
قال أبو محمد: فهذا نص خلاف عمر لأبي بكر فيما ظن أنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقد خالفه في فرض الجد، وفي غير ذلك كثيرا بالأسانيد الصحاح، المبطلة لقول من قال: إنه كان لا يخالفه.
والثالث: أن هذا لو صح كما أوردوه وموهوا به - وهو لا يصح كذلك - لكان غير موجب لتقليد مالك وأبي حنيفة، ولا يتمثل في عقل ذي عقل، إن في
(٧٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 793 794 795 796 797 798 799 800 801 802 803 ... » »»
الفهرست