الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٧٩٤
قلد غير الذي قلدته، بل قلد من هو بإقرارك أعلم منه وأفضل منه؟ فإن قال بتقليد كل عالم كان قد جعل الدين هملا، وأوجب الضدين معا في الفتيا، هذا ما لا انفكاك منه، لكن شغبوا وأطالوا، فوجب تقصي شغبهم، إذ كتابنا هذا كتاب تقص لا كتاب إيجاز وبالله تعالى نتأيد.
قال أبو محمد: ونحن ذاكرون - إن شاء الله - ما موه به المتأخرون لنصر قولهم في التقليد، ومبينون بطلان كل ذلك بحول الله وقوته، ثم نذكر البراهين الضرورية الصحاح على إبطال التقليد جملة، وبالله تعالى التوفيق.
فمما شغبوا به أن قال بعضهم: روي أن ابن مسعود كان يأخذ بقول عمر.
قال أبو محمد: وهذا باطل، لان خلاف ابن مسعود لعمر أشهر من أن يتكلف إيراده، وإنما وافقه كما يتوافق أهل الاستدلال فقط، وما نعرف رواية أن ابن مسعود رجع إلى قول عمر إلا رواية ضعيفة لا تصح في مسألة واحدة، وهي في مقاسمة الجد الاخوة مرة إلى الثلث ومرة إلى السدس، ولعل نظائر هذه الرواية لو تقصيت لم تبلغ أربع مسائل، وإنما جاء فيها أيضا أن ابن مسعود أنفذها بقول عمر، لان عمر كان الخليفة. وابن مسعود أحد عماله فقط.
وأما اختلافهما فلو تقصي لبلغ أزيد من مائة مسألة، وقد ذكرنا بعد هذا بنحو ورقتين سند الحديث المذكور من اتباع ابن مسعود عمر، وبينا وهي تلك الرواية وسقوطها.
ومما حضرنا ذكره من خلاف ابن مسعود لعمل في أعظم قضاياه، وأشهرها ما حدثناه محمد بن سعيد النباتي، نا أحمد بن عون الله، نا قاسم بن أصبغ، ثنا محمد بن عبد السلام الخشني، نا محمد بن بشار، نا محمد بن جعفر، نا شعبة، عن الحكم بن عتيبة، عن زيد بن وهب قال: انطلقت أنا ورجل إلى عبد الله بن مسعود نسأله عن أم الولد، وإذا هو يصلي ورجلان قد اكتنفاه عن يمينه وعن يساره، فلما صلى سألاه الخطاب. فقال لأحدهما: من أقرأك؟ قال: أقرأنيها أبو عمرة أو أبو حكم المزني، وقال الآخر: أقرأنيها عمر بن الخطاب، فبكى حتى بل الحصا بدموعه وقال له: اقرأ كما أقرأك عمر، فإنه كان للاسلام حصنا حصينا يدخل الناس فيه
(٧٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 789 790 791 792 793 794 795 796 797 798 799 ... » »»
الفهرست