الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٨٠٥
قال: كان أبو هريرة يحدث أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت الليلة رؤيا، فعبر لها أبو بكر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أصبت بعضا وأخطأت بعضا فقال:
أقسمت يا رسول الله - بأبي أنت - لتحدثني بالذي أخطأت فيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقسم.
قال أبو محمد: فمن أخطأ فغير جائز أن يؤخذ قوله بغير برهان يصححه، والنبي صلى الله عليه وسلم إذا كان منه - على طريق إرادة الخبر - ما لا يوافق إرادة ربه تعالى، لم يقره تعالى على ذلك حتى يبين له، وأما أبو بكر رضي الله عنه فقد رام من النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين له وجه خطئه فيما عبر، فلم يفعل صلى الله عليه وسلم.
وأما ما تعلقوا به بما روي عنه صلى الله عليه وسلم من قوله لأبي بكر وعمر: لولا اختلافكما على ما خالفتكما فأول ذلك أن هذا خبر لا يصح، ولو صح لكان حجة في إبطال تقليدهما، لان الامر الموجود فيهما منع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الاخذ برأيهما في أمور الدنيا، ففرض علينا اتباعه صلى الله عليه وسلم، وألا نأخذ بقولهما في أمور الشريعة، وهذا بين.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين فقد علمنا أنه صلى الله عليه وسلم لا يأمر بما لا يقدر عليه، ووجدنا الخلفاء الراشدين بعده عليه السلام قد اختلفوا اختلافا شديدا، فلا بد من أحد ثلاثة أوجه لا رابع لها: إما أن نأخذ بكل ما اختلفوا فيه، وهذا ما لا سبيل إليه، ولا يقدر عليه، إذ فيه الشئ وضده ولا سبيل إلى أن يورث أحد الجد دون الاخوة بقول أبي بكر وعائشة، ويورثه الثلث فقط، وباقي ذلك للاخوة على قول عمر، ويورثه السدس وباقيه للاخوة على مذهب علي. وهكذا في كل ما اختلفوا فيه، فبطل هذا الوجه، لأنه ليس في استطاعة الناس أن يفعلوه فهذا وجه.
أو يكون مباحا لنا بأن نأخذ بأي ذلك شيئا، وهذا خروج عن الاسلام، لأنه يوجب أن يكون دين الله تعالى موكولا إلى اختيارنا، فيحرم كل واحد منا ما يشاء، ويحل ما يشاء، ويحرم أحدنا ما يحله الآخر، وقول الله تعالى: * (اليوم
(٨٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 800 801 802 803 804 805 806 807 808 809 810 ... » »»
الفهرست