الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٨٠٨
التقليد. وفيما أجمعوا عليه من اتباع سنن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيما نهوا عنه من التكلف، فإنه يوافق بذلك الحق وقول الله تعالى، وقول رسوله صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء الخلفاء قد خالفهم من في عصرهم، فقد خالف عمر زيد وعلي وغيرهما وخالف عثمان عمر، وخالف عمر أبا بكر في قضايا كثيرة، فما منهم أحد قال لمن خالفه:
لم خالفتني وأنا إمام؟ فلو كان تقليدهم واجبا لما تركوا أحدا يعمل بغير الواجب، وأما تمويه من احتج بقوله تعالى: * (وأولي الامر منكم) * فهذه الآية مبطلة للتقليد إبطالا لا خفاء به، وهي أعظم الحجج عليهم، لأنه تعالى إنما أمر بطاعتهم فيما نقلوه إلينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا في غير ذلك، وإن قالوا: بل فيما قالوه باجتهادهم، قلنا: قد سلف منا إبطال هذا الظن، ثم لو سلم ذلك لما وجب ذلك إلا في جميعهم، لا في بعضهم، لان الله عز وجل لم يقل وبعض أولي الامر منكم، وإنما أمرنا باتباع أولي الامر منا، وهم أهل العلم كلهم فإذا أجمعوا على أمر ما فلا خلاف في وجوب اتباعهم، وقد بين تعالى ذلك في الآية نفسها، ولم يدعنا في لبس، فقال تعالى: * (فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) * فأسقط تعالى عند التنازع الرد إلى أولي الامر، وأوجب الرد إلى القرآن والسنة فقط، وإنما أمر بطاعة أولي الامر منا ما لم يكن تنازع وهذا هو قولنا، ولله الحمد.
وأما الرواية: إن معاذا سن لكم فقد قلنا: إنه حديث لا يصح سنده، ولو صح لما كانت لهم فيه حجة، لان الدخول مع الامام كيد وجد ليس من قبل أن معاذا فعله، لكن من قبل أن النبي صلى الله عليه وسلم صوبه وأمر به فقوله عليه السلام: ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا وإلا فقد فعل معاذ في تطويل الصلاة أمرا غضب منه صلى الله عليه وسلم ونهاه عن العودة، فلو كان ما فعل معاذ سنة لكان تطويله الصلاة إذ أم الناس سنة، وهذا خطأ، فصح أنه ليس فعل معاذ ولا غيره سنة إلا حتى يأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم ويصححها، وهذا قولنا لا قولهم.
(٨٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 803 804 805 806 807 808 809 810 811 812 813 ... » »»
الفهرست