الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٨١١
وقد نهى تعالى عن التفرق والاختلاف بقوله: * (ولا تنازعوا) * فمن المحال أن يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم باتباع كل قائل من الصحابة رضي الله عنهم، وفيهم من يحلل الشئ، وغيره منهم يحرمه، ولو كان ذلك لكان بيع الخمر حلالا اقتداء بسمرة بن جندب، ولكان أكل البرد للصائم حلالا اقتداء بأبي طلحة، وحراما اقتداء بغيره منهم، ولكان ترك الغسل من الاكسال واجبا اقتداء بعلي وعثمان وطلحة وأبي أيوب وأبي بن كعب، وحراما اقتداء بعائشة وابن عمر، ولكان بيع الثمر قبل ظهور الطيب فيها حلالا اقتداء بعمر، حراما اقتداء بغيره منهم، وكل هذا مروي عندنا بالأسانيد الصحيحة، تركناها خوف التطويل بها، وقد بينا آنفا إخباره عليه السلام أبا بكر بأنه أخطأ.
وقد كان الصحابة يقولون بآرائهم في عصره صلى الله عليه وسلم، فيبلغه ذلك فيصوب المصيب ويخطئ المخطئ، فذلك بعد موته صلى الله عليه وسلم أفشى وأكثر، فمن ذلك فتيا أبي السنابل لسبيعة الأسلمية بأن عليها في العدة آخر الأجلين، فأنكر عليه السلام ذلك، وأخبر أن فتياه باطل. وقد أفتى بعض الصحابة - وهو صلى الله عليه وسلم حي - بأن على الزاني غير المحصن الرجم، حتى افتداه والده بمائة شاة ووليدة - فأبطل صلى الله عليه وسلم ذلك الصلح وفسخه، وذكر صلى الله عليه وسلم السبعين ألفا من أمته يدخلون الجنة وجوههم كالقمر ليلة البدر، فقال بعض الصحابة: هم قوم ولدوا على الاسلام فخطأ النبي صلى الله عليه وسلم قائل ذلك.
وقالوا - إذ نام النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الصبح -: ما كفارة ما صنعنا؟ فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم قولهم ذلك، وأراد طلحة بحضرة عمر بيع الذهب بالفضة نسيئة، فأنكر ذلك عمر، وأخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم ذلك. وباع بلال صاعين من تمر بصاع من تمر، فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وأمره بفسخ تلك البيعة، وأخبره أن هذا عين الربا، وباع بعض الصحابة بريرة واشترط الولاء، فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، ولام عليه، وقال عمر لأهل هجرة الحبشة: نحن أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم، فكذبه النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك.
وقال جابر: كنا نبيع أمهات الأولاد ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي بين أظهرنا، وأخبر أبو سعيد أنهم كانوا يخرجون زكاة الفطر والنبي صلى الله عليه وسلم حي
(٨١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 806 807 808 809 810 811 812 813 814 815 816 ... » »»
الفهرست