الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٨٢٢
الفتنة إذا أفتي بما أفتي، ولا فرق بينه وبين الحي في هذا، هذا على أن بعض من يخالفنا في التقليد عكس هذا الامر برأيه، وهو المعروف بالباقلاني قال: من قلد فلا يقلد إلا الحي، ولا يجوز تقليد الميت. فكان هذا طريقا من الضلالة جدا، لأنه دعوى فاسدة بلا برهان، وقول، مع سخفه، ما نعلم قاله قبله أحد.
أخبرني أحمد بن عمر العذري، ثنا أحمد بن محمد بن عيسى البلوي غندر، ثنا خلف بن قاسم، ثنا ابن الميمون عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن راشد البجلي، ثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو النضري الدمشقي، ثنا أبو مسهر، ثنا سعيد بن عبد العزيز، عن إسماعيل بن عبيد الله، عن السائب بن زيد بن أخت نمر أنه سمع عمر بن الخطاب يقول: إن حديثكم شر الحديث. إن كلامكم شر الكلام.
فإنكم قد حدثتم الناس حتى قيل: قال فلان وقال فلان، ويترك كتاب الله، من كان منكم قائما فليقم بكتاب الله وإلا فليجلس. فهذا قول عمر لافضل قرن على ظهر الأرض، فكيف لو أدرك ما نحن فيه من ترك القرآن وكلام محمد صلى الله عليه وسلم، والاقبال على ما قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وحسبنا الله ونعم الوكيل، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
واحتج بعضهم في ذلك بقبول قول المقومين لأثمان المتلفات، والشهادة على أمثالها، وهذا من باب الشهادة والخبر لا من باب التقليد، لان الله عز وجل قد أمرنا بالانتصاف من المعتدي بمثل ما اعتدى فيه، فلم نأخذ عن الشاهد، بأن هذا الشئ مماثل لقيمة كذا، شريعة حرمها الله ولا أوجبها، ولكنا علمناه عالما بتلك السلعة أو تلك الجرحة، فقبلنا شهادته في ذلك على الظالم، وليس هذا من باب، قال مالك وأبو حنيفة: هذا حرام وهذا واجب وهذا مباح، فيما لا نص فيه ولا إجماع، وقد أمرنا بالشهادة على الحقوق، وبقبولها وبالحكم بها، وكل ما أمرنا به فليس تقليدا، فينبغي لمن اتقى الله عز وجل ألا يلبس على المؤمنين، فليس في كتمان العلم وتحريف الكلم عن مواضعه، أشد ولا أضر من أن يضل المرء جليسه، الذي أحسن الظن به، وقعد إليه ليعلمه دين الله عز وجل، يسمي له باسم التقليد المحرم شريعة حق، ثم يدس له معها التقليد المحرم، فيكون كمن دس السم في العسل، والبنج في الكعك، فيتحمل إثمه وإثم من اتبعه إلى يوم القيامة.
(٨٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 817 818 819 820 821 822 823 824 825 826 827 ... » »»
الفهرست