الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٨٢٧
وكذلك سائر الصحابة رضي الله عنهم، كإنكار ابن عباس على عروة وغير معارضة حديث النبي صلى الله عليه وسلم بأبي بكر وعمر، وكإنكار عمران بن الحصين، إذ ذكر حديث الحياء، على من عارضه بما كتب في الحكمة، وكقول أبي هريرة: إذا حدثتك عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا تضرب له الأمثال، في حديث الوضوء مما مست النار. ووجدنا ابن عباس لم ينكر على عكرمة مخالفته له في الذبيح، ولم ينكر أبو هريرة على من خالفه بحديث النبي صلى الله عليه وسلم في إفطار من أصبح جنبا، وجميعهم رضي الله عنهم على هذا السبيل، لا ينكر على من يخالفه في فتياه، وينكر على من خالف روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم أشد الانكار.
ولكن أصحابنا - يغفر الله لهم ويسددهم - أضربوا على الواجب عليهم من تدبر أحكام القرآن، ورواية أخبار النبي صلى الله عليه وسلم واختلاف العلماء، ومعرفة مراتب الاستدلال المفرق بين الحق والباطل، وأقبلوا على ظلمات بعضها فوق بعض من قراءة طروس معكمة مملوءة من، قلت: أرأيت؟ فقنعوا بجوابات لا دلائل عليها وأفنوا في ذلك أعمارهم، فصفرت أيديهم من معرفة الحقائق، وظلموا من اغتر بهم، والأقل منهم شغلوا أنفسهم في أنواع القياس وتخصيص العلل، واستخراج علل لم يأذن بها الله تعالى ولا رسوله، ولا يقوم على صحتها برهان فقطعوا أيامهم بالترهات، ولو اعتنوا بما ألزمهم الله تعالى الاعتناء به، من تدبر القرآن، وتتبع سنن النبي صلى الله عليه وسلم، لاستناروا واهتدوا، ولاستحقوا بذلك الفوز والسبق، وما توفيقنا إلا بالله تعالى.
وقد قال بعض من قوي جهله وضعف عقله ورق دينه: إذا اختلف العالمان وتعلق أحدهما بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أو آية، وأتى الآخر بقول يخالف ذلك الحديث وتلك الآية. فواجب اتباع من خالف الحديث، لأننا مأمورون بتوقيرهم ونحن عالمون أن هذا العالم لو تعمد خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم لكان كافرا أو فاسقا، وفي براءته من ذلك ما يوجب أنه كان عنده علم يوجب ترك ذلك الحديث، ورفع حكم تلك الآية، لم يكن عند القائل بهما، وبهذا يوصل إلى توقير جميعهم.
قال أبو محمد: وهذا القول في غاية الفساد من وجوه: أحدهما أن قائل هذا من أي المذاهب كان، أترك الناس لهذا الأصل، ويلزمه أن يبيح بيع الخمر تقليدا
(٨٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 822 823 824 825 826 827 828 829 830 831 832 ... » »»
الفهرست