الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٨٢٨
لسمرة، وألا يبيح التيمم للجنب في السفر أصلا تقليدا لعمر، وأن يبيح بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها تقليدا له، وأن يسقط الكفارة عن الواطئ في نهار رمضان تقليدا لإبراهيم النخعي، ومحمد بن سيرين وسعيد بن جبير، وأن يتعمد بالجملة كل قولة خالف صاحبها الحديث والقرآن فيأخذ بها، وهذا ما لا يفعله مسلم وفيه ترك لمذاهب في الأكثر.
ومنها أنه لو صح ما ذكر هذا الجاهل لوجب تفسيق ذلك العالم ضرورة ولاستحق لعنة الله عز وجل، لأنه كان يكون كاتما لعلم عنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن فعل هذا فقد استحق اللعنة بقول الله تعالى: * (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون الا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا) *.
وأيضا فلو كان ما ذكر هذا الجاهل لكان ذلك النص، الذي توهمه عند ذلك العالم المخالف للحديث، قد ضاع ولم ينقل، وهذا باطل لان كلامه عليه السلام كله وحي، والوحي ذكر، والذكر محفوظ، قال الله تعالى: * (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) *.
وأيضا، فيقال لهذا الجاهل: ولعل هذا العالم لم يبلغه هذا الحديث، أو بلغه فنسيه جملة، أو لم ينسه لكنه لم يخطر على باله إذا خالفه، كما نسي عمر أن بين يديه محمد بن مسلمة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبا أيوب الأنصاري صاحب رحل النبي صلى الله عليه وسلم، وأبا موسى الأشعري عامله صلى الله عليه وسلم على بعض اليمن، وهذان لا يعرفان إلا بكناهما، حتى إن أكثر الناس لا يعرف اسمهما البتة.
فنهى عن التسمي بأسماء الأنبياء عليهم السلام، فإذا جاز كما ترى أن لا يمر بباله شئ وهو بين يديه وفي حفظه حتى ينهى عنه، فهو فيما يمكن مغيبة عنه أمكن وأحرى، وكما نسي عمر أيضا قوله تعالى: * (إنك ميت وإنهم ميتون) * حين موت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: والله ما مات ولا يموت حتى يسوسنا كلنا. حتى تليت عليه هذه الآية فخر مغشيا عليه، ثم قام وقال: والله كأني ما سمعتها قط قبل وقتي هذا. وكما نهى عن المغالاة في صدقات النساء، حتى ذكرته المرأة بقول الله تعالى: * (وآتيتم إحداهن قنطارا) * فاعترف بالحق ورجع عن قوله، وقد كان
(٨٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 823 824 825 826 827 828 829 830 831 832 833 ... » »»
الفهرست