الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٨١٧
الصحابة في مئين من القضايا، وفي عشرات منها، فقد بطل ما نصروا، وتركوا ما حققوا، وقد ذكرنا في باب الاجماع إبطال قول من قال باتباع الصاحب الذي لا مخالف له يعرف من الصحابة. وبينا هنالك أنهم الناس لذلك، وأنهم قد خالفوا أحكاما كثيرة لعمر، بحضرة المهاجرين والأنصار، لم يرو عن واحد منهم إنكار لفعله ذلك كإضعافه الغرم على حاطب في ناقة المزني وغير ذلك، وهذا حكم مشتهر منتشر لم يعارضه فيه أحد من الصحابة، ولا روي عن أحد منهم إنكارا لذلك، فقد تركوه هم يشهدون أن حكم الصاحب الذي لا يعرف له مخالف من الصحابة هو الحق، فقد أقروا على أنفسهم أنهم تركوا الحق، وأنهم أصروا على ما فعلوا وهم يعلمون.
ويقال لهم أيضا: كيف كان حال حكم الصحابي الواحد الذي لا يعرف له مخالف قبل أن يشتهر وينتشر؟ أكان لازما أن يؤخذ به؟ أو كان غير لازم؟
فإن قال: كان غير لازم، أوجب أن ذلك الحكم في الدين وجب بعد أن كان غير واجب، وهذا كفر وتكذيب لله عز وجل في قوله: * (اليوم أكملت لكم دينكم) *.
وإن قال: كان لازما، فقد أوجب لزومه قبل الانتشار، وسقط شرطهم الفاسد في الانتشار، وهذا القول الفاسد يوجب أن دين الله مترقب فإن انتشر لزم، وإن لم ينتشر لم يلزم، وهذا كفر بارد، وشرك وسخف. وبالله تعالى التوفيق.
وهم يخالفون عمر وزيد بن ثابت في قضاء عمر في الضلع بحمل، وفي الترقوة بحمل، وفي قضاء زيد في العين القائمة بمائة دينار، ولا يعرف له من الصحابة مخالف، حتى تحكم بعضهم فلم يستحي من الكذب فقال: إنما كان ذلك منهما على وجه الحكومة.
قال أبو محمد: وهذه دعوى فاسدة لا دليل لهم على صحتها أصلا. ولا يعجز عن مثلها أحد، ويقال لهم مثل ذلك في تقويم الدية بألف دينار وبعشرة آلاف درهم، أو باثني عشر ألف درهم ولا فرق.
وخالفوا ابن عمر وأبا برزة في قولهما: إن كل متبايعين فلا بيع بينهما حتى يتفرقا بأبدانهما عن مكان البيع، ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة.
(٨١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 812 813 814 815 816 817 818 819 820 821 822 ... » »»
الفهرست