الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٨١٦
خلاف ذلك، فترك قوله ورجع إلى ما بلغه، وكان ينهى عن متعة الحج، حتى وقف على أنه صلى الله عليه وسلم أمر بها، فترك قوله ورجع إلى ما بلغه، وأمر برجم مجنونة زنت، حتى أخبره علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كلاما معناه: إن المجنون قد رفع عنه القلم، فرجع عن رجمها.
ونهى عن التسمي بأسماء الأنبياء، فأخبره طلحة أن النبي صلى الله عليه وسلم كناه أبا محمد فأمسك، ولم يتماد على النهي عن ذلك، وأراد ترك الرمل في الحج، ثم ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، فرجع عما أراد من ذلك، ومثل هذا كثير.
وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبر أن أصحابه قد يخطئون في فتياهم، فكيف يسوغ لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقول إنه صلى الله عليه وسلم يأمر باتباعهم فيما قد خطأهم فيه؟ وكيف يأمر بالاقتداء بهم في أقوال قد نهاهم عن القول بها، وكيف يوجب اتباع من يخطئ؟ ولا ينسب مثل هذا إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا فاسق أو جاهل، لا بد من إلحاق إحدى الصفتين به، وفي هذا هدم الديانة، وإيجاب اتباع الباطل، وتحريم الشئ وتحليله في وقت واحد، وهذا خارج عن المعقول وكذب على النبي صلى الله عليه وسلم ومن كذب عليه ولج في النار. نعوذ بالله من ذلك.
وأما قولهم: إن الصحابة رضي الله عنهم شهدوا الوحي فهم أعلم به، فإنه يلزمهم على هذا أن التابعين شهدوا الصحابة فهم أعلم بهم، فيجب تقليد التابعين.
وهكذا قرنا فقرنا، حتى يبلغ الامن إلينا فيجب تقليدنا. وهذه صفة دين النصارى في اتباعهم أساقفتهم، وليست صفة ديننا والحمد لله رب العالمين.
وقد قلنا ونقول: إن كل ما احتجوا به مما ذكرنا لو كان حقا لكان عليهم لا لهم، لأنه ليس في تقليد الصحابة ما يوجب تقليد مالك وأبي حنيفة والشافعي، فمن العجب العجيب أنهم يقلدون مالكا وأبا حنيفة والشافعي، فإذا أنكر ذلك عليهم احتجوا بأشياء يرومون بها إيجاب تقليد الصحابة، وهم يخالفون الصحابة خلافا عظيما فهل يكون أعجب من هذا ونعوذ بالله من الخذلان.
وليس من هؤلاء الفقهاء المذكورين أحد إلا وهو يخالف كل واحد من
(٨١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 811 812 813 814 815 816 817 818 819 820 821 ... » »»
الفهرست