الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٨١٨
وخالف مالك ابن عمر وابن عباس في قولهما: إن استطاعة الحج ليست إلا الزاد والراحلة.
وخالفوا جابر بن عبد الله في نهيه عن بيع المصاحف، ولا يعرف لابن عمر ولا لابن عباس ولا لجابر في هاتين المسألتين، مخالف من الصحابة.
وخالف مالك والشافعي أم سلمة وعثمان بن أبي العاص في قولهما: إن أقصى أمد النفاس أربعون يوما ولا يعرف لهما في ذلك مخالف من الصحابة.
وخالف مالك ابن مسعود وأبا الدرداء والزبير وقدامة بن مظعون في إباحة نكاح المريض، وجواز ميراثه للمرأة، ولا يعلم لهم من الصحابة مخالف في ذلك.
وخالفوا أبا بكر وعمر وخالد بن الوليد وسويد بن مقرن في إقادتهم من اللطمة، ولا يعلم لهم في ذلك مخالف من الصحابة.
قال أبو محمد: وقد أبطلنا في باب الاجماع قول من قال باتباع الأكثر، وهذه فصول يوجب تكرارنا إياها أنها تقليد صحيح، فتدخل في باب التقليد وادعوا هم أنها إجماع، فوجب التنبيه عليها أيضا في باب الاجماع لذلك.
وقد بينا هنالك، وفي باب الاخبار من كتابنا هذا بطلان قول من قال:
محال أن يغيب حكم النبي صلى الله عليه وسلم عن الأكثر ويعلمه الأقل، وذكر حديث أبي هريرة: إن أخواني من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإن إخواني من الأنصار كان يشغلهم القيام على أموالهم، وكنت امرأ مسكينا ألزم رسول لله صلى الله عليه وسلم.
وهذا الحديث وإن كان منقولا من طريق الآحاد، فإن البرهان يضطر إلى تصديقه، لأنه لا شك عند كل ذي عقل ومعرفة بالاخبار، أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا في ضنك شديد من العيش. وكانوا مكدودين في تجارة يضربون لها آفاق بلاد العرب على خشونتها وقلة أموالها، وفي نخل يعاونونه بالنص والكد الشديد، فإذا وجد أحدهم فرجة حصر وسمع. فبطل قول من قال: إنه لا يجوز أن يغيب حكمه عليه السلام عن الأكثر ويعلمه الأقل. وصح ضد ذلك لما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق.
وأيضا فنقول لمن قال باتباع الأكثر: إنه يلزمك أن تعدهم كلهم، ثم تعرف من
(٨١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 813 814 815 816 817 818 819 820 821 822 823 ... » »»
الفهرست