الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٨٢٩
حافظا لهذه الآية، ولكنه لم يذكرها في ذلك الوقت، وكما نسي عثمان رضي الله عنه - وهو أحفظ الناس للقرآن - قوله تعالى: * (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) * فأمر برجم التي ولدت لستة أشهر، وهو حافظ للآية المذكورة حتى ذكر بها، فذكرها وأمر ألا ترجم.
أو لعل ذلك العالم كان ذاكرا لتلك الآية وذلك الحديث ولكنه تأول تأويلا ما، من خصوص أو نسخ بما لا يصح وجهه، كما فعلوا رضي الله عنهم في نهيه صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية. فقال بعضهم: إنما نهى عنها لأنها كانت حمولة الناس، وقال بعضهم: لأنها لم تخمس، وقال بعضهم: لأنها كانت تأكل القذر، وقال بعضهم: بل حرمت البتة، ومثل هذا كثير فهذا كله يخرج تارك الحديث، من العلماء السالفين، عن الفسق وعن المجاهرة بخلاف نص القرآن والحديث ومعصية النبي صلى الله عليه وسلم الموجبة سخط الله تعالى.
حدثنا محمد بن سعيد النباتي، ثنا أحمد بن عون الله، ثنا قاسم بن أصبغ، ثنا الخشني، ثنا بندار، ثنا غندار، نا شعبة، عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي عبيدة بن عبد الله ابن مسعود، عن أبيه: أشد الناس عذابا يوم القيامة إمام ضال يضل الناس بغير ما أنزل الله، ومصور، ورجل قتل نبيا أو قتله نبي.
قال أبو محمد: فنعيذ الله من سلف من القصد إلى هذه المرتبة، وإنما البلية على من تدين بما لم يؤده إليه اجتهاده، مما هو عالم مقر أنه لم ينزله الله تعالى، وكل من سلف من الأئمة رضي الله عنهم، إنما أداهم إلى ما أفتوا به اجتهادهم، فالمخطئ منهم معذور مأجور أجرا واحدا، هذا لا يظن بهم مسلم سواه.
وإما أن يكون عندهم علم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجله ترك الحديث المنقول، ولم يبلغوه ولا نقلوه - فهم مبرؤون من ذلك ومنزهون عنه، لان فاعل ذلك ملعون، وأما الخطأ فليس ذلك منفيا عنهم، بل هو ثابت عليهم وعلى كل بشر. فصح بما ذكرنا أن التأويل الذي ذكره الجاهل الذي وصفنا قوله، ورام به إثبات التقليد هو الذي يوجب، لو صح، على العلماء الفسق ضرورة ويوجب لهم اللعنة، وقد أعاذهم الله تعالى من ذلك، وأما نحن فننزههم عن ذلك.
(٨٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 824 825 826 827 828 829 830 831 832 833 834 ... » »»
الفهرست