الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٨٤٠
والتابعين، وفقهه وفضله وورعه وتحفظه في الفتيا، أو قلد إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، فقد كان كذلك مع دقة النظر وصحة الفهم، أو قلد أبا ثور، فقد كان غاية في ذلك كله.
وإن كان حنبليا فقيل له: قلد محمد بن نصر المروزي، فإنه أتى متعقبا بعد أحمد، ولقد لقي أحمد وأخذ عنه وحوى علمه، ولقي أصحاب مالك والشافعي وأصحاب أصحاب أبي حنيفة، وأخذ علمهم، وقد كان في الغاية التي لا وراء بعدها في سعة العلم بالقرآن والحديث والآثار والحجاج ودقة النظر، مع الورع العظيم والدين المتين، أو محمد بن جرير الطبري، فكان في علمه ودينه بحيث عرف، أو الطحاوي فقد كان من العلم، بالقرآن والحديث واختلاف الناس والآثار بحيث قد عرفه أهل العلم أو داود بن علي، فكان من سعة الرواية والعلم بالقرآن والحديث والآثار والاجماع والاختلاف ودقة النظر والورع بحيث لا مزيد، وقد أتى متأخرا متعقبا مشرفا على مذهب كل من تقدمه.
فإن قلد داود قيل له: قلد من أتى بعده متعقبا عليه ومخالفه، كولده، وابن سريج، وكالطبري، وكمحمد بن نصر المروزي، والطحاوي، وهكذا أبدا يقلد الآخر فالآخر وهذا خروج عن المعقول والقياس، وعن الدين جملة.
وحتى لو مالوا إلى تقليد الأفضل لبطل عليهم بأن الأفاضل على خلاف ذلك، فقد رجع عمر إلى قول المرأة من عرض النساء، إذ هم بالمنع من المغالاة في الصداق، وعمر أفضل منها بلا شك، وقد كان أبو بكر وعمر يجمعان الصحابة ويسألانهم، فلو كان قول الأفضل واجبا أن يتبع، لما كان لجمعهما الصحابة معنى لأنهما أفضل ممن جمعا ليعرفا ما عندهم، ولكانا في ذلك مخطئين.
وكل هذا أقوال فاسدة بلا برهان على صحة شئ منها، وليس طريق الفضل من طريق الاتباع في شئ، فقد يخطئ الفاضل فيحرم اتباعه على الخطأ ولا ينقص ذلك من فضله شيئا، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي الدرداء: سلمان أفقه منك إذ منعه سلمان من قيام جميع الليل ومن مواترة الصيام، فكان سلمان أفقه من أبي الدرداء.... وكان أبو الدرداء أفضل من سلمان، فأبو الدرداء بدري
(٨٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 835 836 837 838 839 840 841 842 843 844 845 ... » »»
الفهرست