الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٨٤٣
قال أبو محمد: وهذا نص ما فعل خصومنا بلا تأويل ولا تدبر، بل تعرض عليهم الآية والحديث الصحيح، الذي يقرون بصحته، وكلاهما مخالف لمذاهب لهم فاسدة، فيأبون قبولها، لا بفارق ما وجدنا عليه آباءنا وكبراءنا، فقد أجابهم تعالى جوابا كافيا، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وقال تعالى: * (ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله) * وقال تعالى:
* (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون) *.
قال أبو محمد: هذه صفة ظاهرة من كل مقلد، يعرفها من نفسه ضرورة لأنه هوى تقليد فلان فقلده بغير علم، ووجدناه لا ينتفع بسمعه فيما يسمع من الآي والسنن المخالفة لمذهبه. ولا انتفع بصره فيما أري من ذلك، ولا بعقله فيما علم من ذلك، ووجدناه ترك طلب الهدى من كتاب الله تعالى، وكتاب نبيه صلى الله عليه وسلم، وطلب الهدى ممن دون الله تعالى، فضل ضلالا بعيدا فوا حسرتاه عليهم ووا أسفاه لهم.
وقال تعالى: * (قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين) *.
قال أبو محمد: وهذا نص فعل المقلد، لأنه التزم اتباع من لا ينفعه ولا يضره ولا يشفع له يوم القيامة، ولا ينيله من حسناته حسنة، ولا يحط عنه من سيئاته سيئة، وكذلك دعاه أصحابه إلى الهدى بزعمهم فأكذبهم تعالى وقال:
* (إن هدى الله هو الهدى) * فلم يجعل هدى إلا ما جاء من عنده تعالى.
وقال تعالى: * (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها) *.
وهكذا فعل المقلدون فإنهم أباحوا لحوم السباع والحمر الأهلية، وقد جاء أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتحريمها، وآخذوا الناسي، وألزموا شريعة الكفارة المخطئ، وقد جاء نص القرآن والسنة بإسقاط ذلك كله، فلما أخبروا أن ذلك كله فواحش قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها.
وقال تعالى ذاما لقوم قلدوا أسلافهم، وحاكيا عنهم أنهم قالوا: * (إنا وجدنا
(٨٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 838 839 840 841 842 843 844 845 846 847 848 ... » »»
الفهرست