الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٨٤٧
ونجدهم، المساكين، في أمور دنياهم لا يقلدون أحدا، ولا يبتاع أحدهم شيئا فما دونه أو فما فوقه، إلا حتى يقيسه ويتأمل جددته ويتقي الغبن فيه، وهو لا يتقي الغبن في دينه الذي فيه هلاكه أو نجاته في الأبد، فتجده قد قبله مجازفة وأخذه مطارفة: هات ما قال مالك وابن القاسم وسحنون إن كان مالكيا، أو ما قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن إن كان حنفيا، أو ما قال الشافعي إن كان شافعيا، ولا مزيد.
ووالله لو أن هؤلاء، رحمهم الله، وردوا عرصة القيامة بملء ء السماوات والأرض حسنات، ما رحموه منها بواحدة، ولو أنه - المغرور - ورد ذلك الموقف بملء ء السماوات والأرض سيئات، ما حطوا منها واحدة، ولا عرجوا عليه، ولا التفتوا إليه، ولا نفعوه بنافعة. ونجده يضرب عن كلام نبيه صلى الله عليه وسلم الذي لا يرجو شفاعة سواه، ولا أن ينقذه من أطباق النيران، بعد رحمة الله تعالى، إلا اتباعه إياه فأين الضلال إن لم يكن في فعل هؤلاء القوم.
ثم ننحط في سؤالهم درجة فنقول: ما الذي دعاكم إلى التهالك على قول مالك وابن القاسم، فهلا تبعتم أقوال عمر بن الخطاب وابنه فتهالكتم عليها؟ فهما أعلم وأفضل من مالك وابن القاسم عند الله عز وجل بلا شك، ونقول للحنفيين.
ما الذي حملكم على التماوت على قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن؟
فهلا طلبتم أقوال عبد الله بن مسعود وعلي فتماوتم عليها؟ فهما أفضل وأعلم من أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن عند الله تعالى بلا شك.
ونقول لمن قلد الشافعي رحمه الله: ألم ينهكم عن تقليده، وأمركم باتباع كلام النبي صلى الله عليه وسلم حيث صح؟. فهلا اتبعتموه في هذا القولة الصادقة التي لا يحل خلافها لاحد؟ أو ليس قد قال رحمه الله - وقد ذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم فيمن مات وعليه صيام صام عنه وليه، فقال رحمه الله: إن صح هذا الحديث فبه أقول؟ ونبرأ من كل مذهب خالف حديث النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث المذكور في غاية الصحة من طريق عائشة رضي الله عنها، ثم أنتم دأبا تتحيلون في إبطاله بأنواع من الحيل الباردة ونهاكم عن قبول المرسل. ثم أنتم تأخذون به في تحريم بيع اللحم بالحيوان، تقليدا لغلطه رحمه الله الذي لم يعصم منه أحد،
(٨٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 842 843 844 845 846 847 848 849 850 851 852 ... » »»
الفهرست